بقلم: هديل شقير العطين
كلما عاد الحديث عن الطاقة النووية، إنتاجاً وفوائد وأضرار، ملاءمة ونجاعة، يظهر مؤيدون ومعارضون، ويحمل كلٌّ متاع فكره ولوازم تمحيصه ليحطّ رحاله في خانة الـ"مع" أو الـ"الضد". حالةُ الفريقين هذه لا يتجاهلها الحريصون على جلب الموافقة، بل يحثّون الخطى خلف كلِّ معارض لإقناعه، فتجد هيئة الطاقة الذرية الأردنية بكلّ قوة تبثّ على موقعها الإلكتروني أن "مشروع دراسة اختيار الموقع المقترح لبناء محطة للطاقة النووية يتطلب القيام بجهد كبير ودراسة علميةً مستفيضة للتأكد من ملائمة الموقع لبناء محطة الطاقة النووية عليه، للتأكد من سلامة المنشأة النووية وتحقيق السلامة والحماية العامة للناس والبيئة، وذلك وفق أسس ومعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وتؤكد مراراً أنّ "البرنامج النووي الأردني هو خيار استراتيجي لطاقة المستقبل في الأردن وسيكون قادرا على إعطاء الأردن الاستقلالية في توليد طاقة اقتصادية وآمنة ومستقرة بعيدا عن التقلبات السياسية العالمية ويمثل موطن قوة في خطط التنمية الوطنية الشاملة. مع الحرص التام على الالتزام بكل متطلبات ومعايير السلامة العامة والأمن والأمان النووي وقضايا البيئة".
لحظة...ماذا لو وُجِّهت كل مساعي الإقناع بالطاقة النووية نحو تعزيز الطاقة البشرية، ماذا لو استُغِلّ جهد البحث عن نقاط جذب لرافضي النووي في وضع برامج لتمكين البشري، ماذا لو كُتِب ما سبق عن استراتيجية خيار تربية البشري ودعمه بدلاً من كتابته عن خيار البرنامج النووي الأردني.
الاهتمام في النووي أراه يأتي ظُلماً على حساب البشري، فصاحب البيت الذي يصرف ماله على الكماليات يحرم أبناءه من الأساسيات، وذاك المعلم الذي يلقّن الطلبة دروساً في لغةِ الهونولولو بينما لم يتقنوا الإنجليزية بعد يحكم عليهم بالفشل، وتلك التي تطرّز ثوب جارتها بينما يناديها طفلها جوعاً هي عنوان للامبالاة.
خمس دول تمتلك أكبر المفاعلات النووية التجارية العاملة اليوم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية (104مفاعلات)، وفرنسا (85 مفاعل)، و اليابان (55 مفاعل)، وروسيا (32 مفاعل)، وكوريا الجنوبية (20 مفاعل)، لم تبخل واحدة منهن في بثّ كل طاقاتها لتنمية الطاقة البشرية التي تملك قبل أن تدخل نفسها في غمار طاقةٍ أخرى، هي وإن تعالت أهميتها فلن تعلو على أهمية الإنسان.
وبالتطرق للمخاوف من النووي، فلا أرى أخطر من تسرّب المواد المشعّة من المفاعلات النووية إلاّ تسرّب نتاج فشل وإهمال تقويم واستغلال وتمكين الطاقة البشرية، هذا التسرّب الذي خلّف ما يفوق النووي ضرراً، فالبشري حين يتفشّى خطره يتخذ شكل داعش وأخواتها.