يثبت اللبنانيون, رغم كل ما يقال, أنهم الاقرب الى مفهوم الدولة الحديثة من مجاوريهم, ويتعاملون مع الواقعية السياسية بحرفية عالية. فقد استفادوا من التجارب التي مروا بها طيلة عقدين من حرب أهلية عمياء!!
نهاد المشنوق, وزير الداخلية اللبنانية, وجد بعد اطلاق سراح الجنود المختطفين, أن شروط الاتفاق مع «النصرة» الجماعة الخاطفة, يجب كشفها للرأي العام رغم مرارتها. فالاتفاق ينص على: اعتبار بلدة عرسال اللبنانية «منطقة محتلة». وهو يعترف بهذا الاحتلال ولا يشير الى «مقاومته» لأن الهم الرئيسي اليوم هو «عدم الدخول في اتون الحرب السورية»!
وهذا شرط خطير, واعتراف الوزير به اخطر. فالدولة توافق على أن تكون عرسال وجرودها محتلة, وتوافق على ان وظيفتها هي تموين المسلحين السوريين, وأن عليها أن تحدث مستشفاها لتستقبل جرحى «النصرة». وكل ذلك بموافقة حزب الله الشريك في الحكومة التي يتحدث وزير الداخلية باسمها.
ومثل هذا الذي سمعناه من وزير الداخلية اللبنانية لا نسمع مثله من دمشق أو بغداد. فوزارة الخارجية السورية ترحّب بالطيران الفرنسي.. وبعده بالطيران الالماني الذي يعصف ارضاً وشعباً سورياً.. واعتراضها الوحيد هو ان فرنسا واميركا وبريطانيا والمانيا لم «تستأذن» و»تنسّق» مع الحكومة السورية.. ذات السيادة!! وطبعاً فهي ترحب كثيراً بالطيران الروسي, وتطير بصواريخ s 400 والدبابات الحامية لها على ارض وقواعد الشمال الجوية.. ترحيبها بالحرس الثوري الايراني, ومتطوعي باكستان وافغانستان وجماعات عصائب الحق وحمزة وغيرها من محاربي العراق الذين تاهوا عن مواقع الحرب فاستبدلوا داعش, وقوى الغزو التركية بحرب السوريين في مدنهم وقراهم!!
والموقف العراقي لا يختلف كثيراً, فأمس سمعنا من رئيس الوزراء العبادي نغمة الدولة التي ترفض الوجود العسكري التركي على أرضها, مع أن هذا الوجود عمره عامان, وكل ما في الامر ان اعداده تتزايد لأن تركيا تخشى اجتياح داعش «لمعسكر التدريب», بعد أن انتقلت من الحضن التركي الى خارجه!!
في لبنان, رغم كل شيء, ما يزال للدولة ملامح وقسمات الدولة.. في حين ان سوريا والعراق لم تعودا تحملان ملامح وقسمات الدولة. فالجيش فيهما, وهو الاخطر من حيث دوره في كيان أية دولة, الجيش فيهما صار ميليشيا كبقية الميليشيات الطائفية والعرقية. والحكم صار حكم الطغيان المستقوي بالاجنبي, والاحزاب السياسية ذابت في المذاهب والطوائف والعنصريات. وقد اكتشفنا أن التركمان السوريين لهم «جيوشهم» في شمال سوريا.. وأن اسماء كتائبه هي من اسماء سلاطين آل عثمان.
السلاطين ذاتهم الذين اطاح بتاريخهم كمال اتاتورك واستبدل الاحرف واللغة التي كُتب بهما تاريخهم بلغة وأحرف اخرى!!
مهما حاول النظام في سوريا أو العراق أن يتصرف تصرف الدولة.. فإنه ليس دولة. أو أنه دولة آيلة الى السقوط!!
الراي