الحكومة في مواجهة الشارع والبرلمان .. !!حسين الرواشدة
06-12-2015 02:42 AM
دخلت حكومة الدكتور عبدالله النسور عامها الرابع، اصابت احيانا واخطأت احيانا اخرى، ولكنها في كل مرة كانت تبحث عن مخرج للازمة الاقتصادية التي تعهدت بمعالجتها لا تجد امامها الا عنوانا واحدا وهو فرض المزيد من الضرائب والرسوم ورفع الاسعار ، لدرجة انه لم يبق باب الا واقتحمته ،ولا “جيب” الا ووضعت يدها فيه ، فيما النتيجة - كما نرى - : المديونية زادت ، واوضاع الناس الاقتصادية ساءت ، ووعود الفرج و الخروج من ازمة المعيشة تبخرت. القصة فجرتها اخيرا قرارات رفع الرسوم على ترخيص المركبات ، حيث صدمت الحكومة الناس ، ومعهم البرلمان ، باجراءتها المفاجئة، ومع ان جزءا من التفاصيل كانت مفهومة ومقبولة في سياق تصحيح اعوجاج بعض المعايير المعتمدة للترخيص ( كنت اشرت اليها قبل نحو عامين في هذه الزاوية) لكن ثمة مسألتان اثارتا استفزاز المواطنين ، الاولى : الاحساس العام ان الحكومة استغلت الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، وارادت ان تقايض الناس على “الامن “ مقابل الصمت والاذعان وقبول القرارات الصعبة التي تتعلق بمعيشتهم ،وفيما تحمل الناس فيما مضى اعباء سياسات الحكومة وقراراتها وابتلعوها للحفاظ على استقرار البلد وتجنيبه اي اهتزاز الا ان الحكومة فهمت هذه التضحيات في سياق اخر ، وبدل ان تشعر معهم وترد التحية عليهم بمثلها او بأحسن منها ، فاجأتهم بمزيد من الضرائب. اما المسألة الاخرى فتتعلق بخيبة الناس من سياسات الحكومة التي منحت فرصة ثلاث سنوات حتى الان دون ان تنجز ما وعدت به ، وما تضمنته كتب التكليف من توجيهات لها ، وخاصة في المجال الاقتصادي (دعك الان من الاصلاح السياسي الذي توقفت عجلته) ، الامر الذي عزز هواجس الناس ومخاوفهم من المستقبل في ضوء عجز الحكومة عن مكاشفتهم ووضع الحقائق امامهم، وفي ضوء وجود مؤشرات مزعجة على ارتفاع مستوى الجريمة والانتحار والتطرف والفقر والجوع والبطالة ، ثم غياب الامل في تحسن الاوضاع واقتراب الفرج. في موازاة ذلك ، كان البرلمان حاضرا في الصورة ، حيث تفاجأ السادة النواب بقرارات الرفع الاخيرة ، ووجدوا انفسهم مكشوفين امام الشارع ، وبالتالي لم يجدوا امامهم في ضوء تهميش الحكومة لهم وعدم استشارتهم في الموضوع وارتفاع اصوات منتقديهم في الشارع الا الدفاع عن انفسهم بالهجوم على الحكومة ومحاولة “الانقضاض” عليها او دفعها الى التراجع عن قراراتها. الردود التي جاءت من الشارع تجاه قرارات الحكومة الاخيرة كانت مفهومة ومشروعة في سياق تصاعد حدّة المعاناة الاقتصادية التي داهمتهم وافقرت جيوبهم ، وعجز الحكومة عن مكاشفتهم والتواصل معهم . اما الردود التي جاءت من البرلمان فاعتقد انها تعبر عن “استجابة” اضطرارية لمزاج الشارع ، فهي من جهة تريد ان تستبق ما يمكن ان يقوم به من احتجاج ( ضد الحكومة والنواب معا) ، كما انها من جهة اخرى محاولة لتبرئة الذمة او تبييض الصورة لا سيما وان رصيد النواب الشعبي في تراجع مستمر ، والانتخابات القادمة على الابواب ، واستعادة الشعبية تحتاج الى فرصة وثمن ، وقد جاءت الفرصة واصبح الثمن ممكنا ومقدورا عليه. بقي ملاحظتان ، الاولى ان الحكومة بسياساتها الحالية التي تتعلق بفرض اعباء متكررة على كاهل المواطن ، ومعالجة كل ازمة بازمة جديدة ، تراهن على “امتناع “ الشارع عن الاحتجاج ، وضعف تركيبة البرلمان ، ولا تضع في اعتبارها ان “الصمت “ لا يعني الخوف ولا القبول ، وانما يعني الحرص على امن البلد واستقراره ، كما ان وضع المجتمع امام امتحانات صعبة ومؤلمة لا طاقة له بتحملها ، سيدفع لمزيد من الاحتقان والتطرف ، وهنا مكمن الخطر ، لان الضربات المتكررة على جسد المواطن الضعيف ستتسبب في نزع ما تبقى من “مناعة” وسماحة لديه ، وبالتالي فان المجتمع حين يجد نفسه مكشوفا وعاجزا عن التحمل او المقاومة اوتصحيح الاخطاء فانه سيتراجع شيئا فشيئا عن قيمه واخلاقياته الاصيلة ويمكن ان يستبدلها بقيم وممارسات اخرى ضارة ، ليس اقلها الانتقام والكراهية واستباحة كل ممنوع او حرام. اما الملاحظة الاخرى فهي ان تحصين بلدنا مما اصاب غيره من صراعات وحروب لا يمكن ان يتحقق بالوصفات الاقتصادية المرّة التي تضغط على عصب الناس ، وانما من خلال وصفات اصبحت معروفة للجميع( لاحظ ما فعلته الحكومة التركية الجديدة في خطة التحول الاقتصادي وما قدمته من امتيازات للمجتمع وخاصة الشباب )، والاهم هو عدم الاخذ بهذه الوصفة الكارثية المرة التي دفع الاخرون ثمنها، ذلك اننا لا نريد ان نجربها ولا ان ندفع ثمنها ، وبالتالي فان اقل ما يمكن ان نفعله هو الخروج من ورطة “الرفوعات “بسرعة والكف عن استفزاز الناس واللعب باعصابهم واقواتهم، اما كيف..؟ فامامنا تجارب وخيارات غير هذه التي يريد البعض ان يفرضها حتى لو “غضب” الجميع. |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة