لعل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق هو آخر الشخصيات الغربية من المتحدثين في شأن التطرف والإرهاب الملتصق بالعالم الإسلامي ، ولحسن الحظ أن معظم المنتقدين ومنهم بلير باتوا يدركون الفرق بين « الإسلام وبين العالم الإسلامي» وأن الإسلام شيء وأتباعه شيء آخر، وأن الإسلام هو معتقد الرحمة للدين الحنيف ، والجماعات والأفراد الذين تخطفّوا الجانب السياسي الثوري من تراث إسلامي هم فرقة المعتقد العنيف، ممن لا يؤمنون بالضد، ولا غلبة الحجة، ومع هذا ينبري مثل بلير ليؤكد أن أصول الإعتقاد لتنظيم داعش متوفرة بخصوبة في غالبية العالم الإسلامي، والمشكلة أنه من النادر أن نجد زعيما في العالم العربي والإسلامي لديه القدرة لاختراق الغلاف الفولاذي للقادة والمجتمعات السياسية في الغرب.
توني بلير الذي جاءت تصريحاته الصادمة في مكتبة الكونجرس الأمريكي مؤخرا حسب « الغارديان»، لم يحل الحول على إعترافاته بالخطأ الفادح لغزو العراق و الذي شارك به مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بناء على « خطأ استخباراتي»، ومع هذا فهو يرى وجوب مشاركة بريطانيا في محاربة داعش، ويؤكد أن كثيرا من المشايخ والدعاة يرون مسؤولية الولايات المتحدة واليهود في تفجيرات 11 سبتمبر التي قادت الحرب على العالم الإسلامي، ومن هناك بدأ تصاعد ما أسماه التطرف الإسلامي، ولكنه لم يقل هو أو غيره من القيادات السابقة في الغرب ، كيف أنهم سمحوا بتعاظم دور الجماعات المتطرفة التي تستخدم المراهقين والرجال المرهقين لبناء منظومة إرهاب باسم الدين.
جلالة الملك عبدالله الثاني هو الخطيب الوحيد على منابر العالم وفي مقالته الأخيرة التي نُشرت في صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية الشهيرة غداة تصويت مجلس العموم على المشاركة في القتال ضد داعش ، أوضح تماما والمرة تلو المرة أن هؤلاء الإرهابيين والمجرمين الذين يقتلون الناس بلا سبب ولا ذنب ولا سند قانونياً لهم، لا يمثلوننا ولا يمثلون الإسلام، ويجب اجتثاث زرعهم الذي نبت بشكل مخيف في هذا العالم، وهم يُحكمون قبضتهم على مدن سورية ساقطة أمنيّا، ومن هناك أعلنوا دولة إفتراضية تهيأت لها الظروف من خلال عجز الدول الأوروبية والولايات المتحدة لمعالجة أسباب ظهورها، ويؤكد الملك أن هناك جماعات معتدلة يمكن دعمها لخلق وضع جديد في سوريا، وللاختيار ما بين أفضل ثلاث وجهات شرقية مع داعش وغربية مع النظام وجنوبية مع أكثر الأطراف اعتدالا.
للأسف المقالة التي دعمت موقف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وخلقت تغييرا في مفاهيم العديد من أعضاء البرلمان حيث مُررّت لهم، لم يتوقف عندها أحد في عالمنا العربي والداخلي، وهي ليست مجرد عِظات ودروس في السياسة ، بل هي اعترافات لما جرى ويجري في أخطر مناطق النزاع بالعالم اليوم وهي سوريا والعراق، وان الأردن مشارك بقوة لانتزاع مقبض قيادة الدولة من غير المؤهلين لها، ودعم من هم أحق بقيادة بلادهم نحو عالم أفضل، وخال من العنف والإكراه، وأن الحل السياسي الذي سينجب الدولة السورية الحديثة بأرضها ومواطنيها جميعا هو البديل الوحيد للإرهاب القابل للتصدير.
محليا وللأسف نجهل أو ننسى أن الوضع في سوريا هو أكبر خطر علينا، وما حالة القحط الإقتصادي الذي نعيشه، والجفاف السياسي الذي بات متأزما، و الإحتراس الأمني الذي هو هاجسنا جميعا، ليس سوى نتيجة لما جرى في جارتنا الكبيرة سوريا التي ضربها إعصار مدمر شارك به الجميع، من أعلى الهرم وحتى شباب القرى، ما جلب كل مجانين العالم للجهاد المفترض وطلب الجنة من بوابة الرقة.
لذلك على دول الغرب أن يختاروا بين أن ينهوا «دولة داعش» الورقية، ويشطبوها من سجلاتهم فعليا، من خلال تحرك قوي وصادق، وإما انتظار الأسوأ في المستقبل القريب عندما تتمدد وتتكاثر التنظيمات المنشقة والعصابات المتحالفة معها في المجتمعات الغربية، ولهذا يجب أن يسمع العالم الغربي صوت الإعتدال والحق دائما من أفواه أصحابه.
الراي