ليس دفاعا عن حكومة الدكتور النسور والله على ذلك شهيد , وإنما فقط إجتهادا في عرض الواقع والحقيقة لا اكثر , فليس هناك حكومة على هذا الكوكب يمكن ان تطعن بشعبيتها او شرعية وجودها هكذا ومن باب الترف , إلا إذا كانت تفتقر إلى ادنى قدر من الذكاء او الإحساس بالمسؤولية نحو المواطن الخاضع لولايتها العامة , ولا اعتقد ان حكومة الدكتور النسور من هذا القبيل ابدا , لا بل فهي وكأية حكومه , تتمنى ان تطول فترة ولايتها إلى ابعد حد , وسبيلها إلى ذلك بالطبع , هو قبول المواطنين وبرلمانهم بها وبسياساتها ونهجها في العمل العام .
معضلتنا الاقتصادية الضاغطة إجتماعيا أكبر بكثير من حادثة رفع سعر او رسم ما , وهي بوضوح , إفتقار الدولة في شقها الرسمي إلى أية موارد بعد الخصخصه , بإستثناء الضرائب والرسوم والمساعدات الخارجية والقروض , وهي عوامل ضاغطة لا بل ومرهقة إجتماعيا للسواد الاكبر منا نحن اصحاب المداخيل المحدودة من جهه , ومرهقة للقدرات المالية للدولة لجهة زيادة المديونية الخارجية التي فاقت الحدود من جهة ثانيه , وهنا مربط الفرس عندما تفقد الدولة مواردها التقليدية التى كانت تاريخيا تصب جميعها في الخزانة العامة وصارت الآن ملكا للقطاع الخاص .
ما يحجم الكثيرون عن قوله , هو ان الخزينة العامة بحاجة إلى موارد دائمة مستقرة وتتنامى غير الضرائب والرسوم التى تجبى من جيوب المواطنين , فلقد غدونا تماما كأسرة فقدت مواردها الطبيعية التقليدية , وصار لزاما إعتمادها على جيوب افرادها لتدبر أمورها , والسبب هو أننا تناولنا علاج التخاصية دفعة واحدة بدل ان يكون على جرعات مدروسة ومحسوبة جيدا , ولهذا صار العلاج قاتلا بدل ان يكون شافيا , فلقد تسرعنا لا بل وبالغنا كثيرا في خصخصة سائر القطاعات الاقتصادية الحكومية التي كانت تدر دخلا جيدا يعفي الحكومات من مقاربة الإمعان في فرض المزيد من الضرائب والرسوم المرهقة لكواهل الناس الذين يعانون أصلا من مساويء الفقر والبطالة وإنحسار المداخيل في الداخل , ومن جحيم ظروف إقليمية مرة ومريره .
بوضوح , لا خيار امامنا كدولة فقيرة تعتمد كثيرا على المساعدات التي إنحسرت كثيرا خلال العقد الأخير , إلا مراجعة واقعنا والذهاب نحو تدبر موارد محلية للقطاع العام على النحو الذي كان قبل التخاصية التي طبقناها دفعة واحدة وعلى عجل دون إلتفات إلى آثارها الاجتماعية " المدمرة " على المدى القصير والمتوسط معا , وها نحن نعاني , فلا معين بعد عون الله سبحانه , سوى الذهاب فورا إلى جيوب الناس المفرغة أصلا , سواء كانت الحكومة القائمة هذه الحكومة أو غيرها , وهو أمر لم يعد يطاق او يحتمل , لا بل وينذر بمخاطر على أمننا وإستقرارنا وهو رأس مالنا . لا أعرف لماذا تحجم الحكومة ورئيسها الدكتور النسور عن قول هذه الحقيقة المرة التي يمكن تداركها إن تخلينا بعض الشيء عن ولع التخاصية وحاولنا إستعادة بعض ما كان رحمة ببلدنا ومواطنيه وحكوماته وكل ما فيه , وعندما نتساوى مع دول مثل السويد وسويسرا في كل شيء , لا بأس عندها من العودة الى الخصخصة وما سواها من مفردات ونظريات من المبكر علينا مقاربة تطبيقها . والله من وراء القصد .