مضطرون نحن الشعب الاردني أن نتحمّل مسرحيات نيابية استعراضية ،في كل مرة تقدم فيها الحكومة على اتخاذ قرارات جدلية.
فلحن الوداع الذي تعزفه اوركسترا المجلس النيابي على اوجاع وهموم المواطنين لم يعد يطربنا ، ومسلسل التلويح بالثقة في وجه الحكومة بات ممللا ، وحان الوقت لرفع شارة النهاية .
ويبدو ان السنوات الثلاث التي انقضت من عمر المجلس بكل ما تركته في ذاكرة الناخب الاردني من ذكريات سوداء ، سنترحم عليها مقارنة بما ينتظرنا في السنة الاخيرة قبل ان يرفع الله الغمة عنا وينفض المجلس غير مأسوف عليه.
سنة انتخابية بامتياز، وبيانات للاستهلاك الانتخابي، واستعراض اعلامي، وركوب على موجة السخط الشعبي ، ومعارضة في الربع الاخير لمن ظل يهادن الحكومة وارتضى لعب دور شاهد الزُّور . فهم الأدرى بتركيبة الناخب الاردني وذاكرة السمك التي يمتلكها.
نحو ٧٠ نائبا وقعوا على "مذكرة نوايا" لحجب الثقة عن الحكومة على خلفية رفع أسعار أسطوانة الغاز ورسوم ترخيص المركبات، وهي ليست المرة الاولى التي يتقدم بها النواب بمذكرة حجب الثقة ولكنها المرة الاولى التي يقترب فيها عدد الموقعين من حاجز نصف عدد المجلس ، ورغم ذلك استقبل الكثير منا المذكرة بالتشكيك والتقليل بل وبالاستهزاء، فالثقة بالمجلس شبه منعدمة لدى الشارع واحتمالية احتفاظ الموقعون على توقيعهم تكاد تكون منعدمة ايضا.
في السابق خذل النواب أنفسهم وانقلبوا على مذكراتهم بل وحملوا رئيسهم المهندس عاطف الطراونة المسؤولية عن تردده في طرح مذكرات الحجب ليقينه بانها ستأتي بنتيجة عكسية فسقوط المذكرة بمثابة تجديد ثقة بالحكومة وهذا سيزيد من نزيف ثقة الناخب بالمجلس ولكن عبثا كان الطراونة "ينفخ في قربة النواب المخرومة".
تصريح وازن ونادر للطراونة نشرته عمون أمس، عبر فيه رئيس السلطة التشريعية عّن حقيقة العلاقة الشائكة مع السلطة التنفيدية وكشف في سطوره عن غياب التشاركية بين السلطتين التي دعا اليها الملك في خطاباته ولقاءاته، أما ما اخفته السطور فيترك للايام المقبلة.
لا ننتظر الكثير من مجلس النواب، بتركيبته وتضارب مصالح أعضائه التي لا تسعف رئيسه لِلَجْم تفرد السلطة التنفيذية وتحديها لسلطة مجلس الأمة، ولكن لو قدر لي أن اتقمص دور الرئيس لشعرت بالقلق بعد تصريح الطراونة، فظني ان تاريخا جديدا من العلاقة بين الرئيسين بدأ أمس.
غير انني على ثقة ان الحكومة تدرس حاليا خيارات التراجع وتراقب ردود الفعل باهتمام وتستشعر درجة الغليان في الشارع الاردني التي قد تؤثر على مزاج المرجعيات العليا المنشغلة باستحقاق وجودي يتعلق بتوحيد الجهود الدولية للقضاء على الخطر الداعشي فيما الحكومة تشوش على الجهود الملكية بقضية لم تكن تستحق كل هذا الصخب لو تحلى "ساكن الرابع" بقليل من الحكمة والحنكة في اخراج قراراته الاخيرة.