نظام "ترخيص المركبات" الجديد مخالف للدستور
د. ابراهيم العموش
05-12-2015 03:47 AM
كنت قد نشرت قبل يومين مطالعة قانونية حول نظام ترخيص المركبات الجديد بحثت فيها الاساس الدستوري لفرض الضرائب والرسوم والتفسير الصادر عن المجلس العالي (الذي لم ينزل من لدن "عزيز حكيم") وعرضت فيها لقانون الموازنة العامة لسنة 2015 وخطاب الموازنة وتعهدات الحكومة أمام مجلس النواب. وما هذه المطالعة، إلا متابعة لسابقتها تؤكد قناعتي بأن نظام رسوم ترخيص المركبات الجديد مخالف للدستور ويستوجب الالغاء.
إن من المستقر فقهاً وقانوناً، في علم المالية العامة، أن الضريبة هي مبالغ مالية تفرضها الدولة وتتم جبايتها من المكلفين عنوة ودون مقابل وذلك بهدف تغطية النفقات العامة، أما الرسم فإنه يفرض في مقابل منافع أو خدمات تؤديها الدولة للفرد. غير أن الرسم يخرج عن مفهومه هذا ويدخل في مفهوم الضرائب اذا زاد مقداره عن كلفة الخدمة أو المنفعة التي يحصل عليها المكلف.
وعلى هذا الاساس لا يجوز فرض الرسوم بصورة جزافية أو عشوائية وانما لا بد من أن يسبق فرض الرسم دراسات وتحاليل اقتصادية ومالية. ويتم تقدير الرسوم على اساس مجموعة من القواعد المتعارف عليها مجتمعة أو متفرقة.
وأهم هذه القواعد ضرورة تناسب الكلفة التي تتحملها الدولة في سبيل تقديم الخدمة او توفير المنفعة مع مقدار الرسم المفروض وكذلك قاعدة ضرورة مراعاة المصلحة العامة عند تحديد مقدار الرسم. وعليه، يمكن أن يكون مقدار الرسم مساو لكلفة الخدمة التي تتحملها الدولة ويمكن أن يكون هذا المقدار أقل من قيمة الكلفة إن اقتضت المصلحة العامة ذلك كما هو الحال بشأن رسوم خدمات التعليم وخدمات الصحة.
وحيث أن الرسم لا يعد رسماً وانما يعد ضريبة اذا تجاوز مقداره الكلفة التي تتحملها الدولة في سبيل تقديم الخدمة للمكلف، فإنه لا يكون منسجماً وأحكام المادة 111 من الدستور اذا لم يراعى في فرضه مبدأ تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ومراعاة مقدرة المكلفين على أدائه.
ان الحالة الوحيدة التي يجوز فيها للدولة فرض رسوم يتجاوز مقدارها كلفة الخدمة المقدمة للمواطن هي ما اذا كانت الخدمة خاصة بسلعة لا تدخل في عداد المستلزمات الحياتية الاساسية للفرد وانما تدخل في عداد الخدمات المرتبطة بالسلع الكمالية (كالرسوم المفروضة على التبغ والسجائر والمشروبات الروحية ورسوم ترخيص الاسلحة وما شابه ذلك).
وفي غياب خدمات النقل العام، تكون خدمات تسجيل وترخيص المركبات من الخدمات الضرورية الاساسية التي يتوجب على الدولة توفيرها للفرد في مقابل رسم عادل يراعى فيه مقدرة المكلفين على أدائه ولا يتجاوز مقداره كلفة خدمات التسجيل والترخيص ودون أن يكون الهدف منه تحقيق الربح.
وفي غياب الدراسات التحليلية المالية والاقتصادية لكلف خدمة تسجيل وترخيص المركبات، وفي ضوء عدم مراعاة نظام رسوم الترخيص للقواعد المستقرة في تقدير الرسوم ولعدم مراعاته لمقدرة المكلفين على أدائه فإن نظام رسوم رخص القيادة وتسجيل وترخيص المركبات رقم 100 لسنة 2015 الذي اصدرته الحكومة المتضمن زيادة مجحفة على رسوم التسجيل والترخيص وغيرها من الرسوم يعد مخالفة صريحة لأحكام الدستور ويستوجب الالغاء.
هذا من الزاوية الدستوري لنظام الترخيص الجديد، والذي حتى لو كان، بالفرض الساقط، دستورياً، وهو ليس كذلك، فإن الحكومة قد فشلت في تشغيل (مجسًاتها) للتعرف على أثر هذا النظام على الارض وصداه السلبي من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية.
وخلافاً لما قاله البعض في محاولة لتجميل هذا النظام (ومكيجته)، فإنه يكاد لا يترك شاردة ولا واردة مما يسير على أربع عجلات إلا ورفع رسوم تسجيله وترخيصه وشمل ذلك مركبات النقل الخاص والعام وحافلات نقل الركاب والمركبات الانشائية والزراعية وغيرها.
وعليه، سيكون لهذا النظام الجديد، على فرض بقائه، انعكاس سلبي كبير على مستوى معيشة المواطن وعلى الاستثمار في قطاع تجارة المركبات بجميع انواعها وبالنتيجة على الاقتصاد الوطني وفرص العمل.
أخيراً، الوطن والمواطن (والأمن والسلم الاجتماعي) أهم بكثير من بقاء الحكومة أو رحيلها، إذ يدفع الضرر الأعم بالأخص والاشد بالأخف، ولكن إن كان الخيار هو الرحيل (الترحيل) فليكن بعد دفن نظام الترخيص الجديد وإعادة الحال الى ما كانت عليه ومن ثم إجراء دراسات تحليلية مالية واقتصادية واجتماعية لتقدير الكلف التي تتحملها الدولة لقاء تقديم خدمات التسجيل والترخيص ليصار بعدها لإعادة النظر بالرسوم إن كان لذلك مقتضى. أما أن تسقط الرسوم على المواطن كما القضاء المستعجل أو تأتيه بغتة كما الساعة، فأمر يخرج عن أطر الادارة الحصيفة.
المحامي د. ابراهيم العموش – وزير العدل الاسبق