رفع الأسعار .. ماذا بعد ذلك؟؟؟
د.خليل ابوسليم
04-12-2015 06:12 PM
لم يكن سراً أنني كنت من المتفائلين عند تولي دولة الرئيس الولاية العامة في إدارة شئون الدولة الأردنية، ومن شدة تفاؤلي -وهبلي طبعا- كتبت مقالين متتالين وتلقيت مقابل ذلك سيلا من الاتهامات ب "الجهوية" حيث أنا والرئيس من مدينة واحدة، ولا اعتذر إذ قدمت نفسي هنا عليه لأنني ما غيرت أو بدلت، أما هو فقد غير من سيء إلى أسوأ تحت تأثير بريق المنصب الذي قاتل كثيرا للوصول إليه، واذكر جيدا أنني كتبت يومها بأننا سوف يكون لنا كلام آخر إن لم يقم بمهمته خير القيام.
اليوم نقول ما لا يسر خاطره، فقد أوهمنا بأنه يعرف للمواطن هما، فكُلف بمهمة اكبر منه بكثير، لا لعيب فيه - فقط- بقدر ما هو عيب في التكوين السياسي للدولة الأردنية، وتلك النظرة الدونية للمواطن الاردني من قبل المسئولين وصناع القرار الذين يمارسون الكذب ليل نهار بعد أن صار ملحا للرجال.
في عهدكم الميمون دولة الرئيس، انخفضت أسعار جميع السلع والخدمات عالميا، إلا أننا على الصعيد المحلي كنا نفاجأ دوما بانعكاس ذلك سلبيا علينا، ولم نعد قادرين على فهم المعادلات الفيثاغورسية التي تعمل بها حكومتك الرشيدة، وليس أدل على ذلك قراركم الأخير برفع سعر اسطوانة الغاز وتخفيض أسعار باقي المشتقات النفطية، وانتم تعلمون علم اليقين أننا في فصل الشتاء، وما من بيت في الأردن إلا ويحتاج الى استخدام اسطوانة الغاز لغايات التدفئة، وما بين تخفيض هذه ورفع تلك حققتم المزيد من الإيرادات بهدف سد العجز في موازنة الدولة وعلى حساب جيب المواطن البسيط.
ولم يتم الاكتفاء بذلك، بل وجهتم طعنة نجلاء لجيب المواطن عندما اتبعتم ذلك بقرار آخر بنفس اليوم وهو قرار رفع رسوم الترخيص على المركبات والذي سيطال كل من يمتلك مركبة من أي نوع كان، في سياسة هدفها المعلن تصحيح الثغرات في القانون القديم، بينما الهدف الخفي هو جذب مزيد من الإيرادات لخزينة الدولة.
الغريب في الأمر، أن الإصلاح السياسي في البلد يسير بأبطأ من سرعة السلحفاة، وحجتكم في ذلك دائما جاهزة، وهي أن الإصلاح السياسي لا بد أن يكون تدريجيا، أما عندما يتعلق الإصلاح بالأمور المالية وجيوب المواطنين، فانتم من أشد المعجبين بسياسة الصدمة التي باتت سمة مميزة لكل قراراتكم.
وفي هذا المجال، لن أتطرق الى سلسلة من قرارات التعيينات الصادمة وغير المقنعة والتي تمت في عهدكم الميمون، فتلك حكاية أخرى قالوا فيها أكثر مما قاله مالك في الخمر، فانا شخصيا لا يمكنني أن ابلع فكرة تعيين مدير عام للضريبة تقاعد من الضريبة وفتح مكتبا خاصا لممارسة الاستشارات الضريبية، في الوقت الذي يوجد فيه من هم أحق منه بذلك المنصب وأكفأ.
نحن يا دولة الرئيس لم ولن نكون ضد الرفع لأي شيء وبأي شيء إذا كان الأمر يتعلق بمصلحة الوطن كما تدعون، لا بل نحن على أتم الاستعداد للانحناء دون أن يُطلب منا ذلك بعد أن تعودنا على الدفع الخلفي جراء سياسات مسئولين طالما تميزوا بالخبث والدهاء.
اليوم نقولها غير آسفين، لقد سقطت عنك ورقة التوت، يا من ادعيت انك نصير الفقراء والمسحوقين، وآليت الانكفاء والانحياز تجاه الأغنياء والمتخمين، لا بحب الوطن بل بحب الملايين.
اعرف جيدا أن جزءا كبيرا من التاريخ ما هو إلا مجموعه من الأكاذيب ما كان يمكن لها أن تكون لو كان الموتى يتكلمون، فالتاريخ لا يرحم، ومثلما هناك صفحات ناصعة فيه، ادرك أيضا أن فيه من السواد ما تنوء عن حمله الجبال.
بقي أن أشير إلى أن كل قرار يمس جيب المواطن ما هو إلا إسفين آخر يدق في نعش الانتماء وحب الوطن...وللحديث بقية.
kalilabosaleem@yahoo.com