رسوم ترخيص المركبات وقانون الموازنة العامة لسنة 2015 والدستور
03-12-2015 05:13 PM
لا يحتمل النص الدستوري الوارد في المادة 111 من الدستور أكثر من غاية المشرع الدستوري ومبتغاه. فلا ضريبة أو رسم يفرض إلا بقانون. وفي هذا تنص المادة المشار إليها على ما يلي: "لا تفرض ضريبة أو رسم إلا بقانون ولا تدخل في بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد أو مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة وعلى الحكومة أن تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الأداء وحاجة الدولة الى المال". ويتضح من هذا النص، أن المشرع الدستوري قد ترك أمر فرض الضرائب والرسوم لمجلس الامة بجناحيه الاعيان والنواب، وأن لا تفرض تلك الضرائب والرسوم الا بقانون لما لهذه الفرائض من أثر على مستوى معيشة المواطن. ولم يترك المشرع الدستوري أمر هذه الفرائض للحكومة فلو فعل لدست الحكومة يدها في جيب المواطن كلما ارتأت توفيق العجز الفعلي في الموازنة العامة مع ما جاء به قانون الموازنة الذي تقدمه سنوياً لمجلس النواب لتثبت أن ما جاء في مشروع الموازنة العامة المقدم من قبلها يصدق على واقع الحال.
وعلى الرغم من صراحة النص الدستوري الذي لا يقبل التأويل من حيث لزوم عدم فرض الضرائب والرسوم إلا بقانون، إلا أن المجلس العالي لتفسير الدستور، بموجب قراره رقم 3/1995 قد اجتهد في تفسير المادة 111 من الدستور، ولا علم لي بالظروف المحيطة بهذا الاجتهاد آنذاك، ولا أرى أن هذا الاجتهاد قول منزل من "عزيز حكيم"، ولا أرى مانعاً دستورياً من الرجوع عنه بقرار من المحكمة الدستورية، وجاء قرار المجلس العالي كما يلي: " لا تفرض ضريبة او رسم الا بقانون ولا تدخل في بابها انواع الاجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد او مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة وعلى الحكومة ان تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وان لا تتجاوز مقدرة المكلفين على الاداء وحاجة الدولة الى المال. ومن تدقيق نصوص الدستور يتبين ان مواد الدستور تتطلب احيانا اما - صدور القانون - واحيانا تكتفي بقولها - ضمن حدود القانون - او - وفق احكام القانون - واحيانا - في الاحوال المبينة في القانون - او - حسبما هو مبين في القانون - وان هذا التنوع لم يأت عفوا بل جاء مقصودا ويترتب على ذلك انه حينما تتطلب المادة الدستورية القانون في الموضوع المراد بها يمتنع على السلطة التنفيذية تنظيم ما يتعلق بهذا الموضوع بنظام ، وحين يكتفي الدستور بالإحالة على القانون لبيان ما يتبع في مسالة معينة فانه يجيز ضمنا ان يفوض السلطة التنفيذية في اصدار الانظمة المناسبة في الحدود والشروط التي يعينها .
وحيث ان نص المادة 111 من الدستور واضح الدلالة على ان الضرائب والرسوم باستثناء ما يدخل في بابهما من انواع الاجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الدولة من الخدمات للأفراد او مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة لا تفرض الا بقانون فان ما ينبني على ذلك انه يمتنع على السلطة التنفيذية فرضها بنظام .
الا انه اذا فرضت الضريبة او الرسم بموجب قانون وانيط بالسلطة التنفيذية حق اصدار الانظمة اللازمة لتنفيذ احكام القانون فيجوز لها عندئذ اصدار الانظمة اللازمة لذلك ويكون النظام الذي يوضع لهذا الغرض تنفيذا وتطبيقا لأحكام القانون لا خروجا على المادة 111 من الدستور التي تنص على ان الضريبة والرسم لا تفرض الا بقانون وبالتالي يكون هذا النظام غير مخالف لأحكام الدستور". وباستقراء هذا القرار الصادر عن المجلس العالي، رغم عدم وضوحه، نجد أنه قد افرغ النص الدستوري من مضمونه وجرده من غايته ومبتغاه. فلو اتفقنا على صحة هذا التفسير لكان بالإمكان القول بأنه يجوز لقانون ضريبة الدخل مثلاً أن ينص على أن هناك ضريبة على الدخل ويترك أمر تحديد نسبة هذه الضريبة للحكومة تقررها، كيفما تشاء، بموجب أنظمة تنفيذية. فالمشرع الدستوري، في المادة 111، لا يفرق في الحكم بين الضرائب والرسوم من حيث لزوم فرضها بقانون وذلك لاتحاد العلة. أليس في اتحاد العلة اتحاد الحكم؟! هذا مع العلم بأن هناك ضرائب فرضت، بطريق غير مباشر، من قبل الحكومة على سلع وخدمات لم يرد النص عليها في القانون وانما ترك للحكومة فرضها من خلال توسيع قاعدة السلع والخدمات الخاضعة للضريبة بموجب جداول تصدرها كما هو الحال في ضريبة المبيعات. ولما كانت ايرادات الدولة ونفقاتها مقدرة بموجب قانون الموازنة العامة الذي يوافق علية مجلس النواب، فإن من المنطق القول بأن على الحكومة أن تفصح في مشروع هذا القانون عن نيتها في فرض رسوم جديدة أثناء السنة المالية المشمولة بقانون الموازنة لا أن تسعى لسد العجز أو جزء منه، مباغتة، عن طريق فرض رسوم جديدة خلال السنة المالية تلك. على أية حال، وأمام ممارسات الحكومة في فرض الرسوم تلو الرسوم، نجد أن المحكمة الدستورية مدعوة لإعادة النظر في التفسير الصادر عن المجلس العالي المشار إليه وذلك حفاظاً على الدستور نصاً وروحاً.
وبالعودة الى الزيادة المجحفة التي أقرتها الحكومة على رسوم ترخيص المركبات، نجد أن الجدول رقم )8( الملحق بقانون الموازنة العامة لسنة 2015 يتضمن تفاصيل الايرادات العامة للسنوات 2013-2017. فالنسبة للإيرادات المقدرة للعام 2015 من رخص سير المركبات ورخص تسجيل المركبات ورخص سوق المركبات هي على التوالي 69 مليون و45 مليون و14 مليون وبمجموع كلي مقداره 128 مليون دينار. وجاء في خطاب الموازنة الذي ألقاه وزير المالية أمام مجلس النواب بتاريخ 23/11/2014، والذي ينطق عن الحكومة، ما يلي "يتوقع أن تبلغ الايرادات المحلية في عام 2015 حوالي 6280 مليون مسجلة نمواً عن مستواها المعاد تقديره لعام 4102 بنحو 9.1%. وقد جاء هذا النمو نتيجة لنمو الايرادات الضريبية بنسبة 9.2% عن مستواها المعاد تقديره في عام 4102 و نمو الايرادات غير الضريبية بنسبة 2.1%. . ويعود السبب الرئيسي في نمو الايرادات المحلية بأكثر من نسبة النمو الاقتصادي المتوقع بالأسعار الجارية خلال العام القادم والبالغة 1.1% إلى أثر القانون الجديد لضريبة الدخل في حال إقراره قبل نهاية هذا العام إضافة الى الاثر المالي الناتج عن الاجراءات التي اتخذت لزيادة حصيلة رسوم تصاريح العمل ورسوم التأشيرات ورسوم الاقامة والرسوم والضرائب على عدد من السلع الكمالية كالسجائر والمشروبات الكحولية".
ووفقاً لما تناقلته وسائل الاعلام، فقد تعهد وزير المالية، نيابة عن الحكومة، بعدم فرض ضرائب جديدة خلال العام 2015. وبالطبع، فان هذا التعهد إنما كان فقط لكسب شعبية من أمر لا تملكه الحكومة في المجرى العادي للأمور. وما كان هذا التعهد إلا لحفز مجلس النواب على الموافقة على موازنة عام 2015 وقطعاً تعلم الحكومة أنها لا تملك هذه الصلاحية وحدها وذلك لأن فرض الضريبة، في المجرى العادي للأمور، لا يكون إلا بقانون سنداً للمادة 111 من الدستور وأنها، أي الحكومة أن فكرت بفرض ضريبة جديدة، فإن عليها العودة لمجلس النواب للموافقة. غير أن هذا التعهد لا يشمل فرض رسوم جديدة وهو ما تم فعلاً عندما رفعت الحكومة رسوم ترخيص المركبات خلال السنة المالية الحالية (2015) ونشر النظام المعدل في الجريدة الرسمية وسرى مفعوله قبل انتهاء السنة المالية الحالية، لتجبي الحكومة بذلك مبالغ لم تكن ضمن الايرادات المقدرة لعام 2015. ألم يقل وزير المالية في خطاب الموازنة الذي أشرنا إليه أنه " يعود السبب الرئيسي في نمو الايرادات المحلية بأكثر من نسبة النمو الاقتصادي المتوقع .... إلى أثر القانون الجديد لضريبة الدخل في حال إقراره قبل نهاية هذا العام إضافة الى الاثر المالي الناتج عن الاجراءات التي اتخذت لزيادة حصيلة رسوم تصاريح العمل ورسوم التأشيرات ورسوم الاقامة والرسوم والضرائب على عدد من السلع الكمالية كالسجائر والمشروبات الكحولية". ألا ترون أن خطاب الموازنة لعام 2015 لم يصرح بأن رفع رسوم المركبات، خلال السنة المالية 2015، هو أحد اسباب نمو الايرادات المقدرة لسنة 2015؟ ألم يتم تحديد مجموع الايرادات المقدرة لسنة 2015، من رخص سير المركبات ورخص تسجيل المركبات ورخص سوق المركبات، وفق قانون الموازنة العامة، بمبلغ 128 مليون دينار؟ فهل تم تحديد هذه الايرادات المقدرة على اساس نظام رسوم الترخيص الذي كان ساري المفعول وقت تقديم مشروع قانون الموازنة العامة لمجلس النواب في شهر 11 من العام 2014، أم على أساس نية الحكومة، التي لم تفصح عنها في خطاب الموازنة، في تعديل رسوم ترخيص المركبات أثناء السنة المالية 2015؟ أم ترى أن رسوم ترخيص المركبات تدخل في عداد "الرسوم ... على عدد من السلع الكمالية كالسجائر والمشروبات الكحولية" كما جاء في خطاب الموازنة الذي القاه وزير المالية، نيابة عن الحكومة، أمام مجلس النواب؟.
كفى هنا وللحديث بقية عند من هو أعلم مني بلغة الارقام وأكثر مني علماً بمرامي التشريع ومبتغى المشرع.
* وزير العدل الأسبق.
خاص ب عمون .