كيف نشأ تنظيم داعش؟
المحامي الدكتور هيثم عريفج
03-12-2015 02:17 PM
مجرد ذكر كلمة داعش كفيل بان يدب الرعب في القلوب، وينطلق خيال المستمع الى كل تلك الجرائم البشعة التي قام التنظيم وما زال بارتكابها بلا رحمة او ضمير، مجموعه من قساة القلوب التي تنتهك كل شيء من الانسانية الى الاعراض وانتهاءاً بالاموال كل ذلك تحت راية ترفع اسم الله ظلماً وادعاء. فمن اين جاءت هذه المجموعة وكيف تشكلت وهل هؤلاء مقاتلون اسطوريون اتوا من الفضاء؟
بالتأكيد داعش ليست وليدة مؤامرة مخابراتية واحدة خططت ورتبت ودبرت لها احدى الدول الكبرى، انما جاءت نتيجة مجموعة من المؤامرات الفاشلة والاخطاء الفادحة التي انتجت في النهاية هذا الفكر المتطرف الارهابي.
بدأت جذور هذا الفكر بالظهور في افغانستان في مرحلة الجهاد ضد السوفييت بدعم مالي وفكري عربي و تخطيط امريكي، حيث تم تغذية فكر الجهاد المقدس ضد الكفار الملحدين، وتكون ما يسمى بالمجاهدين الذين اخرجوا السوفييت مهزومين، وبعد عودة الكثير من المجاهدين العرب الى ديارهم بدأ تنظيم القاعدة بالتشكل، هذا التنظيم وسع طموحه ليمتد الى الساحة العالمية، محدثاً نقلة نوعية في فكر العداء للغرب وفي اساليب التمويل والتنفيذ، واخذت القاعدة في مهاجمة اهداف منتقاة في مختلف انحاء العالم توجتها في الهجوم على ابراج منهاتن.
ترعرع فكر القاعدة وازداد شراسة وتطرفاً بسقوط العراق بدعم من عدة دول من ضمنها سوريا وايران، فكان احتلال العراق و الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها الولايات المتحده الدور الاكبر في تقوية التطرف وتغيير طرقه ونتاج عملها.
بعد احتلال بغداد وحل الجيش العراقي دخل على هذا الفكر مقاتلون ومخططون استراتيجيون عراقيون من الجيش والمخابرات العراقية السابقة وفدائيو صدام الذين وجدوا به البديل واسلوباً جديداً لمقاومة المحتل طامحين في تحرير بغداد حيث ظهر مصطلح الدولة الاسلامية في العراق وذلك في المناطق السنية عام 2004 بقيادة الزرقاوي وكان في بداية الامر بتحالف مع القوى السنية التي كانت تقاوم الاحتلال والحكومة الطائفية الا انه سرعان ما دب الصراع والخلاف نظراً لاطماع التنظيم وعنفه غير المبرر.
استقطب التنظيم المزيد من المؤيدين وازداد قوة وعنفاً نتيجة لطائفية حكومة المالكي التي شجعت المقاتلين السنه على الدخول إلى التنظيم كبديل وملجأ وقد هدد زعماء العشائر السنية في اكثر من موقف بان الامور في طريقها للانفجار، حيث نتج عن تحالف القوى السنية مع التنظيم تشكل قوة مناهضه للجيش العراقي، كما ساهم الفساد المرعب في اجهزة الدولة العراقية بتسهيل السيطرة على مناطق واسعه في العراق تحديداً في العام 2014 اهمها مدينة الموصل وسهل نينوه، سقطت تلك المناطق بايدي التنظيم دون قتال حقيقي وفر افراد الجيش العراقي تاركين خلفهم العتاد والسلاح بما فيه الاسلحة الثقيلة والاليات والمركبات التي وجدت رجال الجيش العراقي السابق القادرين على استخدامها بتقنية عالية واضعين استراتيجيات عسكرية للتقدم واحتلال المزيد من المناطق من ضمنها تكريت والرمادي، على ان اعداداً جيدة من قيادات الصف الثاني والثالث من النظام العراقي السابق استطاعت ادارة وتسيير الحياة السياسية والاقتصادية والمؤسسية للمناطق التي استولى عليها التنظيم. بعد ان تخلصوا من المنافسين من العشائر ودانت لهم وحدهم السيطرة على تلك المناطق.
كما ان الحرب الاهلية في سوريا ودعم الدول الغنية التي حاولت اسقاط الاسد ساهم في تمدد التنظيم في سوريا واحتلاله اجزاء واسعة منها، وقد قام التنظيم بتغيير اسمه الى الدولة الاسلامية في العراق والشام، وعندما تطور فكرهم ورؤيتهم للتوسع في دول اخرى اصبحوا يطلقون على التنظيم اسم الدولة الاسلامية، وجد التنظيم ايضاً دعما من دول اقليميه مثل تركيا التي كان لها الدور الاكبر في تسهيل مرور المقاتلين بالاتجاهين وتسهيل وصول الاسلحة وتهريب النفط والاثار.
داعب التنظيم مشاعر التمرد والشعور بالظلم لدى الشباب الطامح للانتقام في مختلف البلدان العربية والاسلامية وحتى الغربية، اضافة الى استغلال المال لشراء الداعمين وتجنيدهم، وقد ساهم القمع والاستبداد والفساد السائدان في المنطقة العربية بتقوية مثل تلك الافكار وبالتالي ايجاد الداعمين الحالمين باقامة الخلافة والمنتظرين للخليفة المنتظر المنقذ.
كما داعب التنظيم الشعور الديني بشكل خطير مستندين الى افكار متطرفة وجدت من يبررها من فتاوى وطروحات بالاضافة الى الاستناد الى افكار علماء دين وضعت في فترات كان العالم الاسلامي بحاجة الى مثل تلك الفتوى للخروج من ظروف معينة ومن ضعف واحتلال كان يعاني منها على راسها فترة الغزو التتري.
لم يجد التنظيم جدية حقيقية في محاربته من الدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة الامريكية الى ان بدأ الطيران الروسي بالتدخل الفعلي حيث تغيرت المعادلة شيئاً فشيئاً، الا ان محاربة التنظيم والقضاء عليه لن يكون بالضربات الجوية او العسكرية، بل يحتاج الى استراتيجيتين قصيرة الامد واخرى طويلة.
تتلخص الاستراتيجية القصيرة بتجفيف منابع التمويل من حيث وقف الدعم المالي الذي لازال يصل الى التنظيم بشكل كبير ومنتظم بالاضافة الى منع تصدير النفط المورد الرئيس للتنظيم، واغلاق الحدود التي المفتوحه واظهار جدية اكبر وحقيقية في محاربة التنظيم وتحديداً من قبل الولايات المتحدة وتركيا.
اما الاستراتيجية طويلة الامد وهي الاهم فهي تجفيف منابع التطرف الفكري من خلال غرس قيم التسامح والمحبة وقبول الاخر، و بذل الجهد في توضيح اسس المفاهيم الدينية السليمة، بالاضافة الي تطوير التعليم واصلاحه و الابتعاد عن كل ما يمكن ان يكون اساساً للتطرف بشتى المجالات الدينية وغير الدينية، على ان الدور الاكبر سيكون من خلال محاربة الظلم والفساد والقمع بالاضافة الى ايجاد قاعده واضحه لحل الصراعات في المنطقة وعلى راسها القضية الفلسطينة.