قال لي صديق ، أنت تكتب دائما بالسياسة و التحليل الإستراتيجي و مغلب حالك ، و يتبادر إلى ذهنك أنك فريدمان أو روبيرت فيسك ولا محمد حسنين هيكل و أنك تستطيع بمقال واحد أن تحرر فلسطين و بمقال أخر أن تستعيد الأندلس و ربما من هناك " تنفد على " جبال البرانس " و تنتقم لمعركة بلاط الشهداء ، و أحيانا تريد أن تنبش مواضيع الفساد و كأنك كارل برنستين أو بوب وودورد في فضيحة ووترجيت " خالي خذ على راسها " و رحم الله أمريء عرف قدر نفسه ، و التقط أنفاسه ثم أضاف ، يا أخي كتب في قضايا المجتمع ، اكتب في أشياء مفيدة بدل تضييع الوقت في كل تلك الترهات.
توقف الصديق بعدما انتهى من محاضرته القيمة في أصول الكتابة و أهميتها في العالم العربي ، و بغض النظر عن تسفيهه لكل ما أكتب و الذي ربما يكون ناتجا عن هزائمه المتوالية أمامي في لعب الورق " الشدة " ، آه و الله بنلعب شدة ، شو ممكن "نسوي " في ظل الظروف الراهنة التي نمر بها سوى لعب الشدة و تمضية الوقت في قضايا مركزية مثل من سرق الجوكر و من تآمر مع من ضد من ، بينما الجرسون يكاد يحضر قمعا ، والقمع هو " المحقان " باللغة الأردنية الفصيحة حسب قاموس " قم و قميم " للغة الأردنية الدارجة ، و " يصع " أكوابا متتالية من الشاي و القهوة في أفواهنا ، لأنه يريدنا أن نشتري أكبر كم ممكن من المشروبات خلال اللعب أقول ربما يكون ذلك هو السبب في هجوم صديقي ، لكنني فكرت في الموضوع و وجدت أنه على حق.
لماذا لا نتحدث في القضايا المجتمعية ، على الأقل هنا يمكن أن يغضب مني القراء ، والقراء أناس فقراء مساكين مثلنا و لا يملكون ضرا و لا نفعا، مش مثل " الثانيين اللي بالي بالك " و الذين إذا غضبوا غضب معهم من يغضب و من لا يغضب و ربما " خلوا اللي ما بشتري يتفرج عليك " ، و في القضايا المجتمعية هناك الكثير مما يمكن أن نتحدث به ، أنظروا مثلا إلى قضية الحجاب ، عواد لا تقل لي هاي قضية صعبة و بتزعل الناس و بتيجي بالأعراض و لا يمكن النشر فيها و بتصير قضية أمن دولة و ما بدري شو ، الحجاب في الأردن ، لا أدري لماذا يسمى حجابا و لماذا تسمى من ترتديه محجبة ، فالحجاب في الإسلام يجب أن تتوفر فيه المواصفات التالية ، أولا أن يستوعب جميع البدن لقوله تعالى " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما " ، و ثانيا أن لا يكون زينة في نفسه و يلفت أنظار الرجال ، و ثالثا أن يكون صفيقا لا يشف فإن الشفاف يزيد المرأة زينة و فتنة ، و رابعا أن يكون فضفاضا غير ضيق فيصف شيئا من جسم المرأة .
الحجاب في الأردن غطاء للرأس على بلوزة ضيقة جدا و غالبا بالأوان زاهية ترتسم تحتها الكثير من التضاريس التي تصف و تشف و تهف ، و بعد ذلك بنطلون جينز ممحي و لا تدري هل هو ملبوس تحت الجلد أم فوق الجلد ، و كثير من المحجبات يجلسن في المقاهي و بلفن إجر على إجر و هات يانفس ارجيلة طالع و نفس أرجيله نازل ، طبعا غالبا البلوتوث مفتوح عالأخر و المسجات بين المحجبين و المحجبات على الخط السريع و تنظر حواليك فتجد نصف المقهى يضحك لكن كل واحد لحاله ، فموضوع التلفونات الخلوية و الفيس بوك و توتيتر شغال على " أبو ودنه و الشبيبة مش مقصرة " و الناس كلها " أخر السطة" ، صار المقال غابة من البين قوسين نتيجة استخدامي للغة العامية أو المحكية أو سموها ما شئتم ، لكن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، و هذا النوع من الكتابة يحتاج إلى هذا الخليط اللغوي الذي قد يكون ممجوجا عند الخليل ابن أحمد الفراهيدي و لكنه بالتأكيد مقبول عندنا نحن الذي خلطنا كل شيء بكل شيء حتى يصير شيئا جيدا ، خلطنا الطحين البلدي بطحين " الزيرو" حتى يكون الخبز بطعم ألذ ، و خلطنا اللغة عامية بفصحى ، و آخرين خلطوها باللغة الإنجليزية و الفرنسية فيمكن أن تسمع بكل بساطة واحد يصبح عليك " جود مورنينج ، كومين سافا ، شو في مافي اليوم " و لا تدري ماذا ترد عليه فإذا كنا في القرية و مافيش حدا يعتب علينا ، رددنا عليه " شو يا خ صاير تحكي افرنجي " و طبعا رايح يلحقو مسبتين ثلاثة واحدة تطول أباه في القبر و أخرى بكل تأكيد ستصل الى أمه و أخيه و صاحبته و بنيه و فصيلته التي تؤيه و ربما أكثر من ذلك ، أما إن كان الأمر في عمان ، فسوف يوصف بأنه حريق حرسي و مثقف و بيعرف لغات .
طبعا هذا النوع من الحجاب ليس محليا بل مستوردا ، و جاءنا نتيجة بركات حروب الخليج حسب ما يقول بعض المحللين الإستراتيجيين ، لكن أمهاتنا كن يلبسن اللباس الأردني غاية في الجمال ، و غاية في الطهارة و على الشرع و كان النور يملأ قلوبهن و وجوههن ، و كن يستمتعن بالحياة ، لم تكن الأرجيلة منتشرة جدا لكنني أذكر جدتي عواري رحمها الآن و كانت امرأة غاية في الجمال " موزة " على رأي محجبات اليوم ، و مع هذا كانت تلبس الحطة أم ثلاثة عجال و التي كان في غابر الزمان عليها أغنية محلية لم نعد نسمعها أو نسمع بها ، و كانت جدتي تدخن هيشي من إنتاجها هي و بين الحين و الحين كنت أستطيع أن أشاركها سيجارة دون علم الوالد رحمه الله.
سوف نتحدث في مواضيع اجتماعية أردنية ، أرجو أن لا تغضب المحجبات مني فأنا لا أقصد الجميع أولا ، و ثانيا لست وصيا على أحد و ما هي الا دردشة بين أبناء البلد الواحد للفضفضة و البعد عن سوالف الحصيدة التي شغلنا بها بوتين واوباما.