المعشر للإسلاميين .. (صور)
02-12-2015 07:44 PM
* المعشر : هل تبقى الحجة الأمنية هي الطاغية
* السلطة التنفيذية لا تقدّمُ مشروعاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً يتعدى الإصلاحَ اللفظي
* هل يملك "العمل الإسلامي" مشروعاً للإصلاحِ السياسيِّ يتعدّى العمومياتِ
* السلطُة التنفيذية والأجهزةُ الأمنيةُ تحتاج إلى وقفةٍ مع الذات
* السلطة التنفيذية تستخدمُ هيمنتَها على صنعِ القرارِ لإقصاءِ الحركة الإسلامية وتهميشِها يساعدها في ذلك بعض مكونات المجتمع العلمانية
* "الاخوان".. إمّا منشغلون بصراعات داخلية وإما أنكم لم تنجحوا حتى الآن بتطوير خطابٍ سياسيٍّ حداثيٍّ يواكب متطلباتِ العصر
* حضوري بينكم ليس تفضيلاً لجهةٍ على أخرى
عمون - أكد نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني الأسبق، مروان المعشر، أنه ليس لدى الدولة الأردنية "حتى اليوم مشروعٌ توافقيٌّ متكاملٌ يضمن لمكوّنات المجتمع الأردنيِّ كافةً مكانَها، ويطمئِنُها إلى أنّ أحداً لن يتغوّل على حقوقها، أو يفرضُ عليها نمطَ حياةٍ معيَّناً ضد قناعاتِها".
تأكيدات المعشر، جاءت في محاضرة ألقاها مساء اليوم الأربعاء في حزب جبهة العمل الإسلامي تحت عنوان الإصلاح السياسي في الأردن، وسأل خلالها "الحزب" إن كان يملك مشروعاً للإصلاحِ السياسيِّ يتعدّى العمومياتِ، يساهمُ في إرساءِ قواعدِ الدولةِ المدنيةِ الديمقراطيةِ الحداثية؟
كما رأى المعشر، من واقع الحال، أن أحداً داخل السلطة التنفيذية اليوم لا يقدّمُ مشروعاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً يتعدى الإصلاحَ اللفظي؛ مشروعٌ يرسم للمواطن طريقاً واضحَ المعالمِ، يتم من خلاله تنفيذُ العملية الإصلاحية بتدرّجٍ، ولكن أيضاً بجديّةٍ.
وقال "نحن اليومَ في وضعٍ يقدّم فيه جلالةُ الملك رؤيةً إصلاحيةً بامتيازٍ، لكن لا تترجمُها السلطةُ التنفيذية في أحسن الأحوال، وتلقى معارضةً من قبل مؤثّرين داخلَ هذه السلطة أحياناً كثيرة".
وتابع "من البديهيِّ القولُ إن الإصلاحَ لايمكن السيرُ فيهِ من دون إصلاحيين، فما بالُكم في ظلِّ وجود كتلةٍ حرجةٍ كبيرةٍ من معارضي الإصلاح داخل السلطةِ التنفيذية؟"
وقال "هذه معادلةٌ تحتاجُ فيها السلطُة التنفيذية، بما في ذلك الأجهزةُ الأمنيةُ، إلى وقفةٍ مع الذات". متسائلاً "هل ستبقى الحجةُ الأمنية هي الطاغية، شأنُها شأنَ معارضةِ أي عمليةِ إصلاحٍ سياسيٍّ جادّةٍ، بذريعة أن الظروفَ الأمنيةَ غيرُ ملائمة؟ أم أن هناك بصيصَ أملٍ في إدراك أن الظروفَ الأمنيةَ نتاجٌ مباشرٌ لغيابِ المشروعِ الحداثيِّ التنويريِّ الديمقراطيِّ في الأردن وفي المنطقة؟ وهل يعبّر مشروعُ قانونِ الانتخابِ الجديدِ عن بصيصِ الأمل هذا، ليس لأنه مشروعُ قانونٍ مثاليٍّ، بل لأنه على الأقل يبتعدُ عن الصوتِ الواحدِ ويؤسّسُ لتشكيل مجلسٍ نيابيٍّ أكثر تمثيلاً وكفاءة؟".
وفي سياق حديثه عن مشروعُ قانونِ الانتخابِ الجديد، دعا المعشر، حزبُ جبهة العمل الإسلامي إلى رؤية إيجابيات قانون الانتخاب، بما يؤدّي إلى مشاركتهم في الانتخابات المقبلة، وهي مشاركة وصفها بالضروريةٌ، ولا "ينبغي أن تثنيَكم عنها سلبياتُ القانونِ، لأنها قليلةٌ مقارنةً مع إيجابياتِه".
ووجد المعشر أنه "حتى يكونَ مستقبلُ الإصلاحِ السياسيِّ واضحَ المعالمِ في الأردن، آن أوانُ الاتفاقِ حول قضايا" طرحها في محاضرته، وتالياً نصها:
الأخواتُ والإخوةُ الكرام،
السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه
أودُّ، بدايةً، أن أُعرِبَ عن امتناني لهذه الدّعوةِ الكريمةِ لمشاطرتِكم الحديثَ، كما أشكرُكم لإتاحةِ الفرصةِ لي بأن أتكلّمَ عن موضوعٍ يهمّ الأردنياتِ والأردنيين جميعاً، بغضِّ النظرِ عن انتماءاتِهم ومذاهبِهِم.
أتحدّثُ اليومَ وأنا داخلَ مقرِّ جبهةِ العملِ الإسلاميِّ. أنتم وجماعة الإخوانِ المسلمين شكّلتم دوماً جزءاً من النسيجِ الاجتماعيِّ والطيفِ السياسيِّ في هذا البلدِ العزيز. وكُنتُم دوماً من رحمِ الدولةِ الأردنيةِ، سواءَ معارضةً أم موالاة، ولجأتُم في الأوقات كافةً وفي أحلكِ الظروف، إلى الوسائلَ السلميةِ لتحقيقِ أهدافِكم. ولم ترفعوا السلاحَ يوماً في وجهِ الدولةِ، و بذلك انتزعتم حقَّ الممارسةِ السياسيةِ السلميةِ، التي ليس لأحدٍ إنكارُها عليكم او منعُكم عنها.
كي نتحدثَ عن مستقبلِ الإصلاحِ السياسيِّ في الأردن، علينا أولاً الإجابة على سؤالٍ أساسيٍّ، وهو: هل لدى الدولةِ الاردنية، وأنتم جزءٌ منها، مشروعٌ حداثيٌّ مستقبليٌّ يعتمدُ الإصلاحَ السياسيَّ، التشاركيَّ، التعدّديَّ، المدنيَّ، الديمقراطيَّ، كوسيلةٍ؛ والاستقرارَ والازدهارَ هدفاً لمستقبلٍ مرجو؟ كي نجيبَ على هذا السؤال، يقتضي الواجبُ المصارحةَ مع الجميع، مع الدولةِ بمؤسساتِها التنفيذيةِ والتشريعيةِ والقضائيةِ من جهة، ومع الأطيافِ السياسيةِ والحزبيةِ، وأنتم منها، ومع المجتمع بأسرِه. فمن دون المصارحة، يقصر الغموض عن استشراف المستقبل في زمنٍ لم تعد المواقفُ اللفظيةُ من الأطراف كافةً، كافيةً لسدِّ حاجة الناس إلى مشروع بناءٍ واضحٍ للدولة يقودُنَا إلى مستقبلٍ أفضل.
أزعم أنه ليس لدينا حتى اليوم مشروعٌ توافقيٌّ متكاملٌ يضمن لمكوّنات المجتمع الأردنيِّ كافةً مكانَها، ويطمئِنُها إلى أنّ أحداً لن يتغوّل على حقوقها، أو يفرضُ عليها نمطَ حياةٍ معيَّناً ضد قناعاتِها. مشروعٌ سياسيٌّ يصل بِنَا إلى مرحلةٍ تتم فيها إعادةُ توزيعِ الصلاحيات بين السلطات الثلاثة تحت مظلةِ جلالةِ الملك، بحيث لا تتغوّلُ واحدةٌ على الأُخرى، وبحيث يتم توسيعُ قاعدةِ صنعِ القرارِ وبناءِ نظامٍ من الفصلِ والتوازنِ كما يدعو جلالةُ الملك. إن أية عملية إصلاحٍ سياسيٍّ لاتهدف إلى منعِ هيمنةِ أي سلطةٍ على السلطاتِ الأُخرى، تبقى في دائرةِ الإصلاحِ التجميليِّ الذي لايضعُ لبنةَ الأساسِ لبناءِ مؤسساتٍ تحمي الديمقراطيةَ وتؤدي إلى الاستقرارِ والازدهارِ الحقيقيَّين.
لقد وضعَ جلالةُ الملكِ إطاراً عريضاً لبناءِ الدولةِ المدنيةِ الحداثيةِ الديمقراطيةِ، من خلالِ خمسِ أوراقٍ نقاشيةٍ نُشرَت على مدى عامَين، أرسى فيهما مفهومَه لبناءِ الدولةِ الديمقراطيةِ الحديثةِ من خلالِ أُطرٍ عريضةٍ حدّدها جلالتُه بما يلي:
1. قبولُ التنوُّعِ والاختلافِ في الرأي
2. القبولُ بالحوارِ والتوافق كواجبٍ وطني
3. تعزيزُ مبدأ التعدديةِ السياسية
4. تطويُر منظومةٍ من الضوابطِ العمليةِ لمبادئِ الفصل والتوازن بين السلطات وآلياتِ المراقبة، والفصل بين السلطات وعدم تغوّلِ إحداها على الأُخرى
5. الانتقالُ الناجحُ نحو الحكوماتِ البرلمانية
6. تعزيزُ المشاركةِ الشعبيةِ في صنعِ القرار
7. المحافظةُ على دورِ الملك كقائدٍ موحَّدٍ يحمي مجتمعَنا من الانزلاقِ نحو أي حالةِ استقطابٍ
إذا سلَّمْنا أنَّ هذا الإطارَ العريضَ يشكّلُ أساساً ممتازاً غيرَ مختلَفٍ عليه، ويمكن ترجمتُه إلى خطةِ عملٍ تدريجيةٍ وجادّةٍ للوصولِ إلى الدولةِ المدنيةِ الديمقراطية، فأين الدولةُ من هذا المشروع؟ ومن سيقومُ ببلورةِ خطةِ العملِ هذهِ داخلَ السلطةِ التنفيذية؟ هل ستقومُ الحكومةُ بذلكَ؟ وهل لَدى السلطةِ التشريعيةِ المنتخَبةِ والمعيّنةِ تصوُّرٌ متكاملٌ لمثلِ هذه الخطة، بما في ذلك جداول زمنية ومعايير أداء واضحة؟ واقعُ الحالِ أن أحداً داخل السلطة التنفيذية اليوم لايقدّمُ مشروعاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً يتعدى الإصلاحَ اللفظي؛ مشروعٌ يرسم للمواطن طريقاً واضحَ المعالمِ، يتم من خلاله تنفيذُ العملية الإصلاحية بتدرّجٍ، ولكن أيضاً بجديّةٍ. نحن اليومَ في وضعٍ يقدّم فيه جلالةُ الملك رؤيةً إصلاحيةً بامتيازٍ، لكن لا تترجمُها السلطةُ التنفيذية في أحسن الأحوال، وتلقى معارضةً من قبل مؤثّرين داخلَ هذه السلطة أحياناً كثيرة. ومن البديهيِّ القولُ إن الإصلاحَ لايمكن السيرُ فيهِ من دون إصلاحيين، فما بالُكم في ظلِّ وجود كتلةٍ حرجةٍ كبيرةٍ من معارضي الإصلاح داخل السلطةِ التنفيذية؟
هذه معادلةٌ تحتاجُ فيها السلطُة التنفيذية، بما في ذلك الأجهزةُ الأمنيةُ، إلى وقفةٍ مع الذات. هل ستبقى الحجةُ الأمنية هي الطاغية، شأنُها شأنَ معارضةِ أي عمليةِ إصلاحٍ سياسيٍّ جادّةٍ، بذريعة أن الظروفَ الأمنيةَ غيرُ ملائمة؟ أم أن هناك بصيصَ أملٍ في إدراك أن الظروفَ الأمنيةَ نتاجٌ مباشرٌ لغيابِ المشروعِ الحداثيِّ التنويريِّ الديمقراطيِّ في الأردن وفي المنطقة؟ وهل يعبّر مشروعُ قانونِ الانتخابِ الجديدِ عن بصيصِ الأمل هذا، ليس لأنه مشروعُ قانونٍ مثاليٍّ، بل لأنه على الأقل يبتعدُ عن الصوتِ الواحدِ ويؤسّسُ لتشكيل مجلسٍ نيابيٍّ أكثر تمثيلاً وكفاءة؟ في هذه المناسبة، أرجو أن يرى حزبُ جبهة العمل الإسلامي إيجابيات قانون الانتخاب، بما يؤدّي إلى مشاركتكم في الانتخابات المقبلة. فمشاركتُكم ضروريةٌ، ولا ينبغي أن تثنيَكم عنها سلبياتُ القانونِ، لأنها قليلةٌ مقارنةً مع إيجابياتِه.
على هذا المستوى نفسِهِ من الصراحةِ، أسأل: هل لدى حزبِ جبهةِ العملِ الإسلاميِّ مشروعٌ للإصلاحِ السياسيِّ يتعدّى العمومياتِ، يساهمُ في إرساءِ قواعدِ الدولةِ المدنيةِ الديمقراطيةِ الحداثية؟ صحيحٌ أنَّ معظمَ القوى العلمانيةِ (غير الإلحادية) والدينية، تؤكِّدُ التزامَها بالدولةِ المدنيّة، كما لم تفتأ الأحزابُ الإسلاميةُ يوماً عن التأكيدِ بأن لادولة دينية في الإسلام. لكنَّ هذا التأكيدَ من قبلِ الجانبَينِ لايعني شيئاً إن لم يرافِقْهُ التزامٌ بالدولةِ المدنيةِ الديمقراطية. ويعني هذا الأمرُ الالتزامَ بالتداولِ السلميِّ للسلطةِ تحتَ مظلّةِ جلالةِ الملك، فلا يحتكرُ أحدٌ السلطةَ، ويُصبحُ الفيصلُ الذي يعكس إرادةَ الشعبِ صندوقَ الاقتراع وحدَه. فهل القوى العلمانية في الدولة مستعدّةٌ لذلكَ؟ وهل أنتم مستعدّون لذلك؟ أم أنكم ستستخدمون الصندوقَ لفرضِ نظمِ حياتِكم على المجتمعِ بأسرِه؟
هل يريدُ حزبُ جبهة العمل الإسلاميِّ أن يتّبعَ النموذجَ الإسلاميَّ المصريَّ أو التونسيَّ أو التركيَّ؟ هل يؤمِن الحزبُ بأن العملَ السياسيَّ يستوجبُ عليه فصلَ الخطابِ الدَعَويِّ عن السياسي، أو يعتقدُ أن الاثنين مُتلازمان؟ لو شاء حزبُ النهضة التونسيُّ التشبّثَ بخطابِه الدَعَويِّ، لما قبِل ببعض بنود الدستور التونسي المتعلقة بحرية المعتقدِ والمساواةِ الكاملةِ للنساء، على سبيل المثال. ولكن التزامَه بالتعدديةِ السياسيةِ والمجتمعيةِ، وإدراكَه أن المجتمعَ لايرغبُ كلَّه باتباعِ نمطِ حياةٍ معيّنٍ، دفعاه إلى التوافق مع باقي القوى السياسية والمجتمعية، وهذا التوافق أدّى إلى صياغةِ دستورٍ يطمئن مكوّنات المجتمع ٍكافة.
أزعمُ أننا لم نحسم بعد هذا الموضوع في الأردن. فلا القوى العلمانية مُستعدة اليوم لقبولِ حكومة تشكّلها جبهةُ العمل الإسلامي، مثلاً، على غرار الحكومة التونسية السابقة أو الحكومة المغربية الحالية، ولا الحزب استطاع حتى الآن إقناعَ باقي مكوّنات المجتمع بأنه لاينوي التغوّلَ على نمط حياتها.
هذا برأيي مفتاحُ الحل. السلطة التنفيذية تستخدمُ هيمنتَها على صنعِ القرارِ لإقصاءِ الحركة الإسلامية وتهميشِها ومنعِها من الحصول على غالبيةٍ برلمانية. ويساعدها في ذلك بعض مكونات المجتمع العلمانية، القلقة على مستقبلها ومصالحها في حال وصولكم إلى السلطة. أمّا أنتم، فإمّا أنكم منشغلون بصراعات داخلية، وحضوري بينكم اليوم ليس تفضيلاً لجهةٍ على أخرى، وإما أنكم لم تنجحوا حتى الآن بتطوير خطابٍ سياسيٍّ حداثيٍّ يواكب متطلباتِ العصر، ويأخذُنا إلى المستقبل ولا يشدّنا إلى الوراء؛ خطابٌ يُقنع السلطةَ التنفيذية ومكوناتِ المجتمع الأخرى بأن وجودَكم على الساحة لا يُشكل خطراً عليها. واعذروني إن تساءلتُ ما هي نظرتكُم إلى مكانة شخصٍ مثلي، أنا مروان المعشَّر، الأردنيُّ العربيُّ المسيحيُّ العلمانيُّ، المتجذّرةُ أصولُه في أعماق هذه الأرض منذ آلاف السنين؟ هل هي نظرةُ المواطنةِ المتكاملةِ غير المنقوصة، أم أن هناك حقوقاً لاتسمحون بإعطائها لي؟ أرجو أن تقبلوا هذا الكلام بأريحيةٍ ومن دون دفاعيةٍ، لأنه أمرٌ يتردّدُ على لسان الكثيرين، ليس من المسيحيين وحسب، بل من مكونات المجتمع كافة، محافظين وليبراليين، مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساءً.
حتى يكونَ مستقبلُ الإصلاحِ السياسيِّ واضحَ المعالمِ في الأردن، آن أوانُ الاتفاقِ حول القضايا الآتية:
1. الاتفاقُ حول قواعدِ المرحلةِ، من خلالِ عقدِ اجتماعيٍّ جديدٍ بين مكوّناتِ المجتمعِ كافةً، من شأنِه أن يرسِّخَ مبدأَ التداولِ السلميِّ للسلطةِ تحتَ مظلةِ جلالةِ الملك في الظروف كافةً، وأن يضمنَ عدمَ تغوّل حزبٍ أو قوةٍ ما على تعدُّديّةِ المجتمعِ وتنوُّعِه، من خلال استخدامِه للصندوقِ للاستحواذِ على السلطة. فصندوقُ الاقتراعِ تعبيرٌ عن حالةٍ معينةٍ في ظرفٍ معيَّن، ولا يخوَّلُ لمن يفوزُ بالانتخاباتِ تغييرَ هذا العقدِ الاجتماعيِّ بمفردِه.
2. بلورةُ مفهومٍ حداثيٍّ للمواطنة. فلا يمكن الحديثُ عن هويةٍ وطنيةٍ جامعة من دون ربطِها بالمواطنةِ الحاضنةِ، لا المستوعِبةِ فقط، للتنوّع. فحين يُطرح الموضوعُ في إطار المواطنةِ المتساويةِ للجميع، والمُحتفيةِ بتنوّعِ المجتمع، تصبحُ الاختلافاتُ مصدرَ قوةٍ لمجتمعٍ تعدُّديٍّ يحتضنُ الآراءَ والمذاهبَ كافة، ويعاملُ الجميعَ على أساسِ أنهم مواطنون ومواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن أعدادِهم أو مذاهبهم.
3. نبذُ العنفِ، ليسَ فقط من ناحيةِ عدمِ حملِ السلاح، بل أيضاً بأشكاله كافة، بما في ذلك العنفِ اللفظي. واعتمادُ خطابٍ صارمٍ وواضحٍ ضدَّ كلِّ من يستخدمُ العنفَ ضدَّ المدنيين لتحقيقِ مآربَ سياسيةٍ. ما معنى، مثلاً، مظاهر العنف التي نراها في تونس اليوم ضد حكومةٍ توافقيةٍ حائزةٍ على ثقة الشعب، إن لم تكن هجوماً صارخاً على محاولة تونس إرساءَ قواعدِ التعدديةِ السياسيةِ والمجتمعيةِ التوافقية؟ تترتّبُ على الخطابَين الديني والعلماني مسؤوليةٌ واضحةٌ في توجيه الرأي العام وتوعيتِه ضدّ هذه الأعمال.
4. لن يتم تطويرُ مفهومٍ حداثيٍّ للمواطنة من دون إعادة النظر جذرياً في مناهجنا التربوية، بشكلٍ يعلّم الناشئةَ التفكيرَ النقديَّ واحترامَ المكوّناتِ والأفكارِ المختلفةِ في المجتمع. واقعُ الحالِ أن التعليمَ اختُطِفَ بفعلِ تفسيراتٍ ضيّقةٍ للحقيقة، تطرحُها القوى المحافظةُ العلمانيةُ منها والدينيةُ على حدٍّ سواء. هذا الاتفاقُ غيرُ المعلنِ على ترسيخِ أُسلوبٍ تلقينيٍّ في التعليم، ينبغي أن يقابلَه اتفاقٌ معلَنٌ على نمطٍ جديد من التعليم يُكسِبُ الجيلَ الجديدَ المهاراتِ التي يحتاجُها ليحقّقَ الابتكارَ والإبداعَ والتجديد.
أعرف أن المسيرةَ طويلةٌ في الأردن نحو مستقبلٍ يعتمدُ التعدّديةَ السياسيةَ والمجتمعيةَ كوسيلةٍ للاستقرار والازدهار. وأعرف أن أفكاري قد تُقابَلُ بالرفضِ من الكثيرين داخلَ المعسكرَين العلمانيِّ والدينيِّ. ولكنني أؤمنُ إيماناً قاطعاً بأننا لن نستطيع التقدّمَ، علمانيين كنّا أم إسلاميين، إن لم نخرج من حالةِ التخندُق الحالي، وإن بقينا متشبِّثين بأطرٍ لم تعُد تصلحُ لبناءِ الدولةِ الحديثة. نستطيع أن نحوّلَ المسألةَ إلى معركةٍ بين الإسلاميين والعلمانيين، كما فعلَت مصر؛ أو نستطيع أن نجعلَها معركةً من أجل تعدُّديةٍ يتفيّأ في ظلّها الجميعُ، كما فعلت تونس، فنبني مجتمعاً تعددياً يشمل الجميعَ ويحتفي بهم. نستطيعُ الإصرارَ على الطرحِ العقائديِّ، مدنياً كان أم دينياً، وهو طرحٌ لم ينجح في محاكاة تحدّياتِ الحياةِ اليومية لدى الناس؛ أو نستطيع تطويرَ هذا الخطاب ليشملَ طرحاً برامجياً تفصيلياً مُقنعاً، مرّةً أخرى من القوى العلمانية والدينية على حدٍّ سواء.
في خاتمة المطاف، بالنسبة لي، الدولةُ المدنيةُ الديمقراطيةُ وحدُها هي القادرة على تأمين المظلّةِ القانونيةِ الجامعةِ التي تتسّع للجميع. فهي حاميةُ الآخر، ولا مكان فيها للعنصرية أو الإقصاء.
والسلامُ عليكُم.