الثقافة في الكرك والحالة الحوزوية
زكريا النوايسة
13-06-2008 03:00 AM
نعم لقد نجحت السلط في تسويق ملفها الثقافي بحرفية ومهارة وتنظيم أثمر ما نراه الآن من حراك ثقافي تحت مظلة السلط مدينة الثقافةالأردنية لعام 2008 ، وكان جهد المجلس البلدي متناغما ومتكاتفا مع جهود مثقفي ومبدعي المدينة للوصول الى هدفهم الذي خُطط له بعيدا عن الفردية والذاتية ،هذه الآفات التي كانت مقتل آخرين أخفقوا بتقديم مدنهم ، باسلوب يخلو من نوازع الذات والرغبة بإعادة تشكيل الكون وفق هواهم.
لقد كانت الزيارة الملكية لمدينة الكرك فرصة أكثر من سانحة لطرح الملف الثقافي من خلال المعنيين بهذا الشأن من مثقفين ومبدعين ساهموا ولفترة طويلة بتشكيل وجه وحضورالكرك الثقافي الحقيقي محليا وخارجيا، هذا الحضورالذي نافس في بعض الأحيان المركز زخما وكيفية وجودة ، إن هؤلاء كانوا هم الأقدر على طرح ومناقشة هذا الملف وتقديمه بشكل لائق في زيارة تاريخية كان يمكن أن يكون انعكاساتها على هذا الواقع اكبر مما رأيناه ولمسناه من خلال التقديم الباهت الذي أثار شفقة الآخرين قبل أن يثير شفقة أبناء الكرك.
ربما لم يعِ البعض بعد أن الثقافة واللحظة الإبداعية لا يمكن تكييفها وتشكيلها لتتناسب مع برنامج فرد بذاته، ومن غير المعقول كذلك أن تصنع حالة ابداع حقيقية منطلقا من خطاب أيدلوجي ضيق أو على قاعدة من الأحادية والفردية البغيضة ، هذا اذا نظرنا من باب حسن النية أن الجهد الفردي هذا يراد منه الوصول الى لحظة الابداع المنشودة ، ولكن ما نشهده أنَّ ثمة حوزات ثقافية تحاول أن تحتكر الفعل الثقافي وتعمل على تجزئته ليسهل تطويعه ،وبالتالي تحويله الى أقنعة يسهل التزي بها حسب المناسبة والحدث، وما نعاينه أيضا أن بعض من سار في ركب الثقافة وآخرين من أدعيائها ،باتوا يرون فيه مركبا سهلا للوصول الى مزيد من الوجاهة ،ومدخلا لبعض الإمتيازات ،سواءً وظيفية أوغيرها من الإمتيازات التي يطمح لها من أصابهم هوس البقاء في دائرة الضوء .
كان من الممكن أن يكون الأمر على غير الصورة التي رأيناها لو اسند الأمر الى أهله ، فملف التربية أولى أن يُترك لتربوي عايش هذا الواقع ويعلمه جيدا ويعرف أين نقاط القوة والضعف ، وما يجب أن يُقال فيه وما يجب أن يُسكت عنه ، وكذلك الملف الصحي الذي يُشكل هاجسا مقلقا لكل أبناء المحافظة ،وغيرها من الملفات الأخرى ، وإنْ كنت أعتقد أن هذه الملفات أُُبرزت على نحوٍ أفضل من الملف الثقافي ، والذي أشعر أنه بقصد أو بغير قصد تم تغييب الكثير من الوجوه الثقافية البارزة خلال اللقاء الملكي ، مما يبعث الخشية في النفس من قدرة المدينة على تنظيم جهدها لإستقبال عامها الثقافي 2009بما يتناسب مع تاريخها وإرثها الحضاري ،هذا الإرث ألذي شكل دائما تحديا لكل مندفع للبحث في دفتر هذه المدينة الإستثنائية، وما يثير الحزن في النفس أن من يطالع وجه القلعة الشماء هذه الأيام سيرى علامات استفهام كثيرة وكبيرة ، تشفُّ لنا عن رغبة البعض بأن تبقى هذه المدينة بكل طموحها وحضورها التاريخي رهينة لأحلامه ورؤاه الشخصيه.
إن الحديث عن الشأن الثقافي وهمومه ، سيقودنا حتما الى البحث في دور وزارة الثقافة وقدرتها على الخروج من شرنقتها الإدارية الى الفضاء الحقيقي لها ، فهي مطالبة أن تعلن عن نفسها كواجهة للثقافة الأردنية من خلال برامج ونشاطات وخطط بعيدا عن المناطقية والإنحياز الأيدلوجي ونظام التكايا والحوزات، وأن تخلع كذلك عنها عباءة التقليدية والنمطية وتلغي من مفرداتها ما يجعلها رهينة للقيود الادارية التي تتناقض مع تفردها واستثنائيتها.