عمون- في المساحة الحائرة بين الحزن وبين الأمل، تصاعدت لحظات الأمسية التي أقامتها الدائرة الثقافية لأمانة عمان في بيت الشعر الأردني، للشاعرة غدير حدادين والروائي جلال برجس.

"مو حزن لكن حزين"، بهذه العبارة المجتزأة من أغنية عراقية حزينة، يستهل برجس الحائز على جائزة كتارا، حصته من أمسية الشعر والنصوص التي ترافقت مع أوتار عود العازف المغيرة عيّاد، ويذهب في الأمسية التي أقيمت تحت رعاية د. فهد البياري نائب مدير المدينة للشؤون الثقافية والتنمية المجتمعية، وأدارت فقراتها الشاعرة لينا جرار، وتابعها حضور معقول، إلى المواءمة بين النصّيْن: النثري والشعري، وفق التدفق المتعلق بالأحاسيس والمشاعر، وبما يتيح له لحظة تعبير أكثر صدقاً ودقة:

"حزين، كحزن أمي حينما فَتَكَ بها سرطان المعدة، وقالت لي وهي رهينة سرير الشفاء، والأنابيب، وأسلاك الأجهزة الطبية، ومزاج الممرضات والأطباء (نفسي بقطعة خبز يَمَّة) فعضيت شفتي بأسناني غضباً من عجزي أمام رغبتها، وخوفاً من أن أخالف أوامر الطبيب، وأملاً بمغادرتها إلى البيت معافاة. فأومأت برأسها حانية عليَّ، وهي تتمتم (لا تهكل هم يَمَّه، كلها يومين ونروِّح يا حبيبي). منذ ذلك الحين ورغيفي ناشف، لأن أمي لم تَعد إلى البيت، البيت الذي لم أعد أراه، ولم أعد أراني".

هذا الإشراك الملفوح بدموع فراق الأمهات، (أكثر الدموع غزارة ونقاء)، للملتقي، علّه يأخذ منه بعض هذا الحزن الثقيل، ما ظل مقروءاً وملاحظاً في نصوص برجس صاحب "مقصلة الحالم".
الشاعرة غدير حدادين اختارت جهة الشعر الملتصق بالمكان والمرتبط بالإنسان المقيم في المكان:
"هبني منك
ما استطعت
اجعل... إرادة الروح
تبحر في شقاء
وتذكر... أن العمر
تذكار أبدي
لحياة حرة!".
حيث لا يكفي أن نقول الحب، أو نرسم قلوبه الحائرة بقدر ما هو ضروريّ أن تنفس شهيقه وزفيره:
"لا يكفي
أن تتسلق
أصابع الشمس
حتى ترى.
ثمة رؤية غارقة في العمق
ثمة وضوح أكثر سطوعاً في القلب!".
بالشعر أراد أن يختم برجس، بالشعر والحنين:
"إن أبكتكَ أغنية
فارْخِ حبلَ الدَّمع لمبتغاه
ولا تَخْجل من نشيجكَ
فالرعّد
نَهْنَهَات السماء
على مَحْمَل الحنين".