قبل عام , في 14 حزيران / يونيو احكمت حركة المقاومة الاسلامية ( حماس ) سيطرتها على قطاع غزة بعد الحاقها \" هزيمة \" سريعة ومفاجئة بحركة التحريرالوطني الفلسطيني ( فتح) , تماما كما حدث مع \" قوى 14 اذار\" في مواجهة \" حزب الله \" قبل لقاء الدوحة .
قبل عام وقع الإنهيار الكبير في صفوف الأجهزة الأمنية في قطاع غزة ، والتي أنفق عليها خلال السنوات الماضية ملايين الدولارات , ذراع ضارب من اذرعة السلطة الوطنية الفلسطينية اختفى في اقل من ساعات .
(فتح ) , ونقصد ايضا السلطة الفسطينية , تعيد قراءة ما جرى في غزة , ليس لدخول المستقبل وانما للبقاء في الماضي , تتحدث ( فتح ) بلغة المنتصر والمهزوم , وبنفس اللغة الممعنة في تكريس وضع الانقسام , وليس بصيغة الحفاظ على تاريخ وانجازات ( فتح) الحاضنة الاولى للنضال الوطني الفلسطيني على مساحة تمتد الى نصف قرن . (فتح ) الام التي انجبت قادة تاريخيين للشعب الفلسطيني : ياسر عرفات وابو اياد وخليل الوزير وسعد صايل وفاروق القدومي , تتحول فجاة الى حزب حاكم يبحث عن المناكفات وتسديد الضربات من تحت ومن فوق الحزام.
وتبدو ( حماس) منهكة ومتعبة بعد عام كامل من الحصار , ومن عمليات القتل والدمارالاسرائيلية المفتوحة على مستقبل مجهول , في ظل هزيمة معسكر الاعتدال العربي , وترنح يهودا اولمرت تحت سياط المحاكم ورغبات رفاقه في \" كاديما \" لاسقاطه , فيما يحزم الرئيس الاميركي اوراقه استعدادا للرحيل عن البيت الابيض بعد ثمان سنوات من سوء الادارة وسياسة التبرير والذرائعية.
التصريحات التي تصدر من طرفي الازمة ( حماس ) و( فتح ) متضاربة , ومتناقضة احيانا , وتدور حول نفس نقاط الخلاف قبل عام , وليس حول نقاط الالتقاء , لااحد يتحدث عن القواسم المشتركة , والعدو الذي يوشك على ابتلاع كل شىء , الارض والانسان والتاريخ والجغرافية . (حماس ) تريد فتح جميع الملفات العالقة , و( فتح ) لا تغادر مفردة \"انهاء الحالة الانقلابية\" .
ورغم ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس استخدم لغة هادئة ومتزنة ردا على سؤال حول إمكانية إعلان اتفاق مباديء مع ( حماس ) : \" المشكلة ليست مجرد حملات إعلامية ، وتخفيف لهجات ، فالحملات الإعلامية مسيئة لكل الأطراف ، ونحن أوضحنا أنه لدى توقف الآلة الإعلامية لحماس سيكون رد الفعل إيجابيا من جهتنا. \" الا ان اطرافا اخرى تصر على التشدد في حل الاشكالية , ورفض مقربون من الرئيس الفلسطيني اشارات الى أن ابو مازن استخدم نبرة أكثر دفئا تجاه (حماس ) وأصروا على أن دعوته \"لاجراء حوار وطني شامل مع حماس تقصد فقط مناقشة تنفيذ المبادرة اليمنية\".
وقال صائب عريقات وهو من مساعدي ابو مازن ان تصريحات محمود عباس التي أدلى بها بعد عام من سيطرة (حماس) على قطاع غزة \" لا تشير الى موقف جديد \". وقال عريقات \" من الخطأ القول ان عباس لم يعد يطالب بانهاء \" انقلاب\" حماس لانهاء الانقسامات.\"
والمدهش هو ان جهات عديدة تحاول رعاية المصالحة الفلسطينية الفلسطينية , وكاننا امام سوق مضاربات حول الجهة التي ستكون صاحبة الفضل في انهاء القطيعة بين \" الاخوة الاعداء\" , واذا افهم ان تقوم دولة عربية برعاية المصالحة , او دولة على تماس مع خط المواجهة العربي الاسرائيلي , فانني لا افهم السر في ذهاب الفلسطينيين الى غرب القارة الافريقية للحوار , هل ضاقت الارض عليهم بما رحبت ! فقد ذكرت وسائل الاعلام ان ممثلين من (حماس) و( فتح) اجتمعوا مع الرئيس السنغالي عبد الله واد في جولة اولى من الوساطة تهدف الى \" ايجاد موقف مشترك من اجل التوصل الى اتفاق مع اسرائيل في نهاية المطاف.\" ونقلت صحيفة (لو سولي) اليومية السنغالية الرسمية عن الحاج أمادو سال المتحدث باسم واد قوله ان \"رئيس السنغال يجري محادثات مع ممثلين من حركتي حماس وفتح كل منهما على حدة. وان المفاوضات الحقيقية ستجرى على سبع مراحل.\"
وسبق اليمن التوسط لابرام اتفاق للمصالحة بين الحركتين الفلسطينيتين المتنافستين في مارس اذار لكن الجهود انهارت , وايد اجتماع للوزراء العرب في الجامعة العربية الاقتراح اليمني الذي يدعو (حماس ) الى تسليم السيطرة في غزة , وردت (حماس) انها مستعدة لاستئناف الحوار ولكن بدون اي شروط مسبقة. كما ذكر مكتب اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني , ان هنية اتصل بكل من الرئيس السوري بشار الاسد ومدير المخابرات المصرية عمر سليمان , الاسبوع الحالي سعيا للحصول على دعم عربي لاستئناف الحوار.
وامام جهود المصالحة تبدو (حماس ) حريصة الا تظهر كدولة اسلامية ولذلك تبتعد عن اقرار قوانين وتشريعات اسلامية , ولم يحاولوا اتخاذ خطوات من اجل \" اسلمة \" المجتمع الغزاوي, وهذا الامر يثير غضب جهات \" متطرفة \" في غزة مثل ابو حفص الذي يعلن عدم رضاه عن واقع غزة , يقول : \"حماس لا تقيم شرع الله. لم نر سارقا قطعت يده ولم نر زانيا رجم\". وتنطوي السياسة الرسمية ل (حماس ) على احترام حقوق الاقلية المسيحية بغزة .
وشهد أسبوع من القتال ضد قوات( فتح ) سيطرة ( حماس) على قطاع غزة وسكانه البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة في 14 يونيو/حزيران العام الماضي كما شهد اقالة ابو مازن الحكومة التي كانت تقودها ( حماس) والتي فرضت عليها عقوبات غربية وعربية.
وفي غضون ثلاثة أسابيع من تسلمها السلطة سارعت (حماس) الى الإعلان عن نجاحها في تأمين الافراج عن مراسل اذاعة ( بي بي سي) الرهينة الان جونستون. ويقول المتحدثون باسمها ان الحركة \"ما زالت معارضة للفصائل الاسلامية التي تمارس العنف.\"
وأضاف ابو زهري المتحدث باسم الحركة \" أي فرد يتسبب بالتعرض للمصالح العامة بالتأكيد هو ملاحق بالقانون ويتعرض للمحاسبة\" , وتسيطر حركتا (حماس) و(الجهاد الاسلامي )على أغلبية المساجد في غزة وتقيد الجماعتان نشاط الفصائل المتطرفة الاخرى التي تميل الى الاجتماع في المساجد الاصغر او في منازل أعضائها حيث يلقون دروسا عن مفاهيمهم الاكثر تشددا للاسلام.
هل تصريحات الرئيس الفلسطيني حقا محاولة جادة لانهاء الازمة في البيت الفلسطيني , ام رسائل الى اميركا وتل ابيب ؟ اذا يرأى بعض المحللين في دعوة عباس للدول العربية للوساطة من أجل انهاء القطيعة بين (حماس ) في غزة و(فتح ) في الضفة الغربية جزءا من استراتيجية لدعم موقفه في الداخل في مواجهة شكوك متزايدة بشأن احتمالات التوصل الى اتفاق هذا العام تبدو بنوده غير واضحة المعالم حتى الان ؟ هل هو رسالة شديدة اللهجة , وتهديد مبطن , لتل ابيب وحلفائها الأميركيين والاوروبيين بأن لديه خيار العودة الى التحالف مع (حماس) من جديد اذا اخفقت المفاوضات.؟ .
تبدو الصورة غير مبشرة بالتفاؤل , اذا لم يطرح احد حتى الان حلا جذريا للازمة التي لم تعد تتعلق فقط بمن يحكم , وانما بكيف يحكم , وكيف يقود الشعب الفلسطيني والى اين , وهل ستعود منظمة التحرير الفلسطينية وانظمتها النضالية لتكون المرجع لجميع فصائل واتجاهات الشعب العربي الفلسطيني , هل سيبقى النضال الفلسطيني اسير الاتفاقيات السرية ومفاوضات الكوريدورات الضيقة , ثم ماذا عن حق العودة للاجئين والقدس ؟ الايام القادمة ستكشف الكثير بعد ان يذوب الثلج ليظهر ما تحته.