أصوات كثيرة مؤيدة للرئيس الأسد بدأت بالتحول عن دعمه لدعم الرئيس بوتين في مواجهته مع تركيا إثر اسقاط الأتراك لطائرة السوخوي الروسية، حلفاء الأسد الذين يفتقدون طلته اليوم، يرون في بوتين صورة الكوبرا التي يمكن ان تحجم نفوذ البيت الأبيض، ويلقبونه «أبو علي بوتين».
يحملونه إلى مصاف الحلم والرجل المحرر والقيصر العظيم، أفلسوا من الأسد، وبدأوا يبحثون عن قائد فذّ، يميط عن سوريا وجه الانكسار والهزيمة، وجدوه هناك في منتجع»سوتشي» يحملق جيداً في ضيوفه ويتعنت كما يريد ويفصح عما يريد بشق الأنفس، لكن بقليل من الودّ.
بوتين حمل نفسه مؤخراً إلى طهران، ومعه مصحف مصور عن مخطوط يعود للعهد الأموي المتأخر، وأبسط العارفين بالمخطوط وصناعته مجرد أن ينظروا إليه يدركون أنه صورة، فهذا المخطوط هو من تركة عميقة ومن أمر بالحفاظ عليه ونقله للمتحف هو الرئيس الروسي العظيم ستالين.
لكن ما دلالات نقل مصحف بصندوق أخضر، لإمام الثورة والولي الفقيه، لماذا بحث بوتين عن قبلة جديدة له، في عالم الإسلام الشيعي غير عالم الإسلام السني، هل يرد على السعودية، وهل يرد على السنة، أم هي رمزية المصاحف التي رفعت ذات زمن طلبا بحق وتقرير أمر الخلافة والصراع عليها.
بوتين ولافروف اليوم هما لاعبا المشهد الإقليمي، وأبطال التصريحات، تفوقا على حسن نصر الله ووعوده بالنصر القريب، وعلى اردوغان المتردد والمنسحب من كل التزاماته، وذلك بهدوئهما وصلابة موقفهما، انصار الأسد وحزب الله وايران يقولون «لا فتى إلا لافروف ولا سيف إلا سيف بوتين» وبوتين أضحى بطلاً يبحث في صورة سلطان يكتب المؤرخون سيرته، منتصراًويرونه قائداً فاتحاً يريد انقاذ سوريا.
سوريا دخل رئيسها في سبات وغياب، انتهى الرئيس من اطلالته المعتادة، ولم يعد ظهوره مطلوباً إلا بقدر ما يتمسك به المفاوضون على مستقبل سوريا، في المقابل يدخل اردوغان اليوم صفقة التاريخ بالنسبة للأتراك ففي مقابل الانتساب لأوروبا، تشترط أوروبا على تركيا وقف الهجرة السورية، مقايضة تبدو ممكنة، بعد أن كشفت موسكو عيوب أردوغان وعلاقاته مع داعش وشرائه النفط منها.
هنا يستدير القائدان بوتين واردوغان لمواجه التاريخ العميق الذي تحكيه قصة الصدام وحروب الاتراك والروس، منذ القرن السادس عشر وحتى الحرب الحاسمة العام 1876، لكن هل تكون سوريا هي ملعب الصراع؟ بالتأكيد عسكريا لا لكن في المصالح نعم؟ فتركيا أدارت ظهرها للتاريخ وتبحث عن المستقبل ولديها أسئلة كثيرة يجب أن تجيب عليها، وبوتين لا يقاتل فقط لأجل عيون الأسد الذي حتماً سيغيب، لكن الثابت أن بوتين هو الأكثر حضورا اليوم والأكثر حصدا للإعجاب ونظرات الغضب والحكمة.
الدستور