الغاز .. وبابور طحين قريتنا
صبري الربيحات
01-12-2015 12:16 AM
في قريتنا كان بابور الطحين هو المعلم الصناعي الاهم؛ فهو يعمل منذ الصباح الباكر وحتى ما بعد الغروب تأتي الاسر بقمحها واحيانا بشعيرها وعدسها الى البابور الذي كان يحوي خطين للانتاج احدهما مطحنة لاستخراج الطحين واخرى اصغر لجرش القمح والعدس...
لم يكن لدى الكثير من الناس نقود ليدفعوا للبابور تكاليف الطحن "الرد" فكانوا يدفعون الاجر على هيئة قمح او طحين او عدس بنسبة يحددها المسير للبابور (المدير) فيقال رده منه فيه.
بالرغم من ان العملية بسيطة للغاية الا ان مدير المطحنة يحرص يوميا على ان يلبس لباسه الخاص الذي يكون على هيئة اوفرهول ويصعد الى اعلى نقطة "محقان البابور" ويحمل في يده "مفك" ويأخذ بالتجول في المطحنة وعينه على المنظم لعملية الطحن مع وضع يده في الدقيق الخارج من المطحنة من اجل التأكد من درجة دقة الدقيق. ولكي يتجمع غبار الطحن على رموشه وشواربه لتكتمل صورة انشغاله.
الكثير من اجراءات مدير المطحنة لا ضرورة لها والانشغال الذي يبديه شكلي لا هدف حقيقي له غير استعراض انه الذي يمكن ان يخشن الطحين او يجعله اكثر دقة ليقبل عليه اصحاب الحبوب التي سيأتي دورها في الطحن يوصونه على طحناتهم ويطلبون اليه ان يتوصى بهم.
غالبية الطحين الذي انتجه بابور قريتنا كان متشابهاً ولم يحصل ان احتج طحان على طحين فالناس في قريتي يخبزون ما يطحنه البابور اليتيم ولا يكترثون ان كان ناعما او خشنا.. في تراث قرانا نقول ان "فلان اجا حبه للطاحونه" وهناك اغنية في مسلسل صح النوم يغنيها ذياب مشهور تقول كلماتها "والله لاجرش برغلها.. خشن ناعم حيا الله"
البترول هو البترول ووحدة قياسه البرميل .. اذا ما ارتفع نتوقع ان يجري رفع كافة المشتقات بنفس النسبة وان انخفض كذلك... اما ان يجري خفض البنزين ورفع الغاز فالامر ملفت ... فالجميع منشغل بالتعداد والمؤسسات منشغلة في انجازه وربما ان هناك منطقاً لا ندركه وغير وارد في معادلة التسعير التي نعرفها...
ما يجري في كثير من مجالات حياتنا لا يختلف كثيرا عن ما كان يجري في بابور قريتنا الذي انتهى بعد ان جاءت المطاحن العملاقة العراقية وغير العراقية التي تطحن كل شيء دون الحاجة الى الافرهول ولا تجمع الطحين على شعرات جبين الطحان.. فمطاحن اليوم تطحن خشن ناعم حيا الله.