يُعدّ الانفصال عن المحب واحداً من أحلك المصائب التي قد يبتلى بها الإنسان في حياته. ولعلّ قدرة المحب على تقبل موت المحبوب وفقدانه إلى الأبد، بالرغم من هول معاناته في بداية المُصاب، أفضل من قدرته على احتمال هجر المحبوب له وسقوط المحب المفاجىء من ذرى الحب العالية في نهاية دراماتيكية للعلاقة العاطفية بينهما، وعلمه في ذات الوقت، أن المحبوب قد ينعم بحياته مع محب آخر.
حينها يسكن قلب المحب غضب جامح، ويسعى إلى لملمة بقايا كبرياءه المسفوح، وثمة آمال سكرى قد أريقت داخل صدره. بعدها يعتري قلبه موجة من الحزن العارم والانكسار، فيتقوقع على نفسه ويبتعد عن مسار المحبوب ويتوارى بعيداً عنه، لكنه يجد نفسه –مرة أخرى- ساعياً إليه، فقد مزّقه الرفض وأضنته لوعة الفراق. فيفكر في كتابة رسالة أو بريد إلكتروني، ثم يتراجع، ويفكر في توسيط شخص ثالث، لكن الوسيط يعود خائباً لأن المحبوب يرفض العودة رفضاً قاطعاً ويقول أنه لم يعد يشعر بأي تجاوب أو تجاذب تجاه المحب. فيقضي المحب مزيداً من الوقت في تفسير ما حدث أو التخطيط للانتقام.
عادة عبارة "الزمن يداوي الألم" و"عسى أن يكون في تركه خير" هي أول ما يُنصَحُ به المثلوم، لكن، ونظراً لفرط معاناته العاطفية، فلن يقدِّر ما تحمله هذه الكلمات من حكمة في أول المُصاب. ويقول النفساني إيلي فينكل: "كلما كان الشخص مغرماً أساء تقدير قدرته الشخصية على التعافي بعد الفراق". ولكن مع تكرار المحاولة وشحذ الإرادة والانخراط في النشاطات الحياتية اليومية يبدأ المثلوم بالتعافي والتعايش مع أمل جديد.
ولعلّ في هذه المقالة شيء من العزاء، ومحاولة لتجاوز المحنة وتعجيل اندمال القلوب الجريحة. ففيما يلي أورد خطّة عمليّة من أربع مراحل، متجنّباً قدر الإمكان الفلسفة النظرية، تعتمد على التدرّج في تخفيف المُصاب عن النفوس الملتاعة لذوي القلوب الكسيرة. وكنت قد قدّمتها هدّية لأحد الأصدقاء المصابين وكان لها دور فاعل في تقليل معاناته بشكل كبير.
المرحلة الأولى:
تخيل أن محبوبك قد فارق الحياة، لا تكتفي بالتخيّل بل آمن بذلك. شيّد لمحبوبك الفقيد قبراً تذكارياً وضعه في ركن مناسب من البيت، وزيّنه بالهدايا والصور التذكارية والأشياء الصغيرة التي سبق أن أهداك إياها. ادع له بالرحمة كلما جالت الذكريات في خلدك، وردد: "أشعر بوجودك معي كأنك لم ترحل .. وموتك لن يفرقنا".
المرحلة الثانية:
سوف تفتقد رؤية المحبوب وسماع صوته! تذكر بأن من تحنّ إليه هو محبوبك الفقيد البريء الطاهر والذي سيحيا في وجدانك أبداً، وليس الشخص الذي آذاك وجرح مشاعرك. ولكن ربما تريحك رؤية ذاك الشخص القاسي عن بعد أو الاتصال به لسماع صوته دون التحدث إليه، فهو يشبه المحبوب في بعض صفاته الشكلية ويختلف عنه في كل ماعدا ذلك.
المرحلة الثالثة:
سوف تستيقظ في صبيحة يوم من الأيام وتسرّ لنفسك: "الشخص الذي أحببت لم يمت، وأنا أخدع نفسي، وكلّ حيلي سراب وشيزوفرينيا غير واقعية!!". إذا وصلت إلى هذه المرحلة فعليك أن تتمسك بإيمانك بالله وبقدرتك على الثبات، وتيقّن أنك أحببت شخصاً يسكن خيالك، وأنك تمنيت في أعماق نفسك، وبشكل لاشعوري، أن يتجسد محبوبك "التصوري" في عالم الواقع، وكانت ذاتك تتمزق لحدوث ذلك لحاجتك إلى رفيق درب، لكنك أدركت الآن أن محبوبك "التصوري" والنقي ليس أبداً الشخص الذي عرفت.
المرحلة الرابعة:
لتعلم أن كل ما سبق ذكره لا يعني بأن محبوبك غير موجود، بل معناه فقط أنك لم تعثر عليه بعد، وأن من يستحق حبك وإخلاصك موجود في مكان مّا، فحاول وثابر للعثور عليه لتظفر بالحب الحقيقي…
ولمن لم ينصلِ بنار العشق بعد، اتبع نصيحة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يكن حبّك شغفاً ولا كرهك كلفاً".
sociolegaloffice@yahoo.com
الكاتب ماجستير في قانون الاقتصاد الدولي وحقوق الإنسان /بريطانيا