توافق المتضادات وبيع الذمم
12-06-2008 03:00 AM
لا يختلف اثنان على أن الكون يشكو في الوقت الراهن من حالة غريبة تسمى علمياً بـ "خلل المنظومة الطبيعية"، وهو خلل يصيب الشجر والبشر والحجر على حدٍ سواء لأن الكون يعتبر منذ الأزل نظاماً متكاملاً تلتقي عناصره في كل شيء، وإن لم يظهر ذلك جلياً.
ولكن الخلل في المنظومة الطبيعية يصل ذروته إذا ما أصبح مسيطراً على الكون، والمجتمع، والأسرة، وصولاً إلى الأفراد، فلا يعود ثمة عنصر قادراً على الإمساك بالأمور ووضع الحلول للأزمات، ومن ثم القيادة. فالفوضى إن عمت كل شيء، وتعسرت ولادة الهدوء والعقلانية، انسحب الكبار كي لا يجر الواحد منهم إلى أزقة الصغار، أو الرعيان.
من هنا يكثر التوافق بين المتضادات دون توقف، وتصبح حالات الخلاف على الأشياء الصغيرة، والتافهة تسود الساحة، ولا يعدو هناك نقاش يثري أو تباين في الآراء يضيف قيمة للأشياء، فكما أسلفنا يكون السجال على توافق بين متضادات، وفي هذه الحالة لا تعرف السبب ولا تدرك معنىً للعجب! شأن ذلك التوافق بين الصحافة وأركان السياسة أو السلطة، حيث لا يمكن لصاحب كلمة حق أن يخرج عن إجماع الشارع في ذم شخصية سياسية ما، إلا إن كان قد أصابه خلل المنظومة الطبيعية في عقله وقلبه وبصره، فغدا يتعامل مع نفسه على أنه بوق لهذا أو ذاك. والبوق كما تعرفون أداة في أيدي الموسيقيين، لا عقل لها ولا قلب ولا بصر. فكيف يقبل الإعلامي، رجل الكلمة، أن يكون أداة ويتخلى عن روحه وقلبه وعقله مقابل مجدٍ ما، أو هدية معينة تزول قيمتها بزوال منصب مهديها!
هذا ما قد يسببه الخلل في المنظومة الطبيعية، وأنا هنا لا أتحدث إلا في شأن علمي بحت، وليس عن شراء النفوس، وبيع الذمم، وفضح الذوات، وتلويث الدماء، وأكل الرمم، والعيش على المزابل طمعاً في سيادة الحثالة، أو غيرها من الأشياء التي تحتاج مني إلى مجلدات في حال أردت أن أتناول سجالاً واحداً من تلك السجالات التي تنطق عن توافق المتضادات، الأمر الذي قد يقودني إلى "قضم" أشياء كثيرة، والقول "عوض الله عليكم".
المهم أن هذا الخلل رغم سوء توابعه الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، يفضح الكثير من الأقنعة الزائفة، ويهدم العديد من الأبراج المبنية على قواعد واهنة، ويكشف ما وراء الأسوار أمام العامة، وليس النخبة كما في الحالات العادية، وهنا تبلغ أهمية الأمر عند المتبصر في المستقبل، حيث لا ينفع الذل صاحبه، ولا المال مالكه، إلا من صدقه عقله، وأدرك أن الأردنيين لا ينطبق عليهم غير قول "الشافعي":
تموت الأسد في الغابات جوعا ولحم الضان تأكله الكلاب
وعبد قد ينام على حرير وذو نسب مفارشه التراب
f_naasan@hotmail.com