وصفي ومجد الحضور ووجع الرحيل
د.مهند مبيضين
29-11-2015 02:27 AM
لماذا يوجعنا غيابك يا وصفي؟ لماذا تُعلق صورك في بيوت البسطاء؟ لماذا يذكرك صغار العسكر وكبارهم؟ لماذا يمتدُ الحزن فينا حتى نراك شهيدنا الحي؟
وصفي، قد لا نوفيك شيئاً وقد غبت؟ لأنك أثبت قدميك في مستنقع الموقت وقلت للموت :إن الخوف لأجل الأوطان غير مباح وإن الإقدام هو الجواب!
هنا في كل أرجاء الوطن توزع دمك، ولنا فيك حق، هنا في أرض الكبرياء والشموخ أبيت أن تقبل التخوين والذل والاتهام، فذهبت تحمل مشروعك الوطني ومشروعك التحرري لتقول لقاهرة المعز والعرب من الذين اجتمعوا عليك وعلى وطنك: أن الأردن لا يقبل الهوان وأن الأردن سيظل وطن المجد والفخار.
هنا حيث المحاذير تُليت عليك، قلت: لا سأحمل روحي على كفي، وهناك رحلت حيث الغدر كان يتربصك، وهناك ارتقيت شهيداً على ضفاف النيل لتبقى خالداً، وهنا أجمع الجميع حتى اليوم بأنك ما بعت ولا هِنت ولا سقطت في مستقنع الإعلام والسلطة والمال وشهوة النفوذ.
كل شيء كان متاح لك، كل شيء كان تحت الممكن والإمكان، لكنك بقيت تتمثل صبر الأردنيين وقيادتهم على ظلم ذوي القربى، فكنت قميص البراءة الأبيض الذي لم يجف دمك عنه حتى اليوم، دم أخرجه من قلبك وصدرك بعض الأشقاء.
وطنك اليوم يا سيد الشهداء وكبير الرؤساء، وأكثر الوجوه في بلدي اشراقاً،صلبٌ أبي لا يستطال، ولكننا نعرف معك طعم الغياب، ولسنا نشتاق إليك رغبة بالبكاء، بل فخراً بتمثلك لأنك كنت نسرنا الملحق، ونستحضر النسر اليوم برغبة تتجاوز كل حاضر الساسة الذين لم ينجزوا لنا فرقاً وتركوا موقع الرئاسة بلا عنوان، ليست بكائية الشهادة التي جعلتك مطلوباً اليوم، لكنها شجاعة الموقف الذي كان وبقي معك عنواناً للمجد في صفحات التاريخ.
نشتاق ويشتاق معنا العسكر والزراع، يريدك الطلاب ويريدك العمال، وهم على وعدك وعلى نهجك، رغم أن الريح
كثير، ورغم أن الحصار كل مرة يزداد. وهناك حيث الوجع يبقى أكثر من الجرح انت فينا ترياق المرض العضال.
لست غائباً أيها الشهيد، لسنا مكرهين على تذكرك، ولكنا تأبى الغياب، فقد غابت مع غيابك شمس ذلك اليوم العصيب، وها انت تزهو مجدداً في يوم الرحيل كأن دماءك تجري في عروق ارضك التي أحببت وعشقت فتعيد إليها النبت والزرع ورجع الصهيل.
انت هنا وهناك يا وصفي، نصيبك الحضور المجلل بمهابة العز والفخار، ونصيب من باع وتاجر بالوطن النسيان والغياب.
الدستور