الاردن أمــام أسئلـة صعــبـة .. ؟!
حسين الرواشدة
29-11-2015 02:23 AM
اين يضع الاردن قدميه في هذه المرحلة, وما هو الدور الذي يمكن ان يلعبه, وهل يستطيع ان يحافظ على خيار “الحياد“ الايجابي, ام انه سيجد نفسه امام حالة استقطاب دولي اقليمي لا مجال فيه الا الانحياز لهذا الطرف او ذاك ؟
قد تبدو مثل هذه الاسئلة مألوفة ومطروحة في اطار ما تشهده المنطقة من تناقضات في المواقف, واشتعال للحرائق, وافتراق للتحالفات القائمة, لكن الاجابة عليها تحتاج الى تحرير عدة مسائل : الاولى ان المنطقة تتعرض لحالة من “ الفرز “ في المواقف تجاه عنوان “ الارهاب “ الذي يشكل قاسما مشتركا للجميع ( في العلن على الاقل), لكن في غياب تحديد مفهوم هذا الارهاب ومصادره واولويات مواجهته حدث “ انقسام “ واضح على المستوى الدولي الاقليمي, وتبلور محورين : احدهما تمثله روسيا والصين وايران والاخر امريكي تركي سعودي قطري, وبالتالي اصبح مطلوبا من الاردن ان يبحث عن خيار "آمن" ينسجم مع مصالحه الوطنية اولا ويتناسب مع افرازات المرحلة واستحقاقاتها القادمة, ليس فيما يتعلق بالحرب في سوريا فقط, وانما بما يجري ترتيبه للمنطقة بشكل عام.
المسألة الثانية تتعلق بحدود الدور الاردني وما يترتب عليه من فرص وتحديات, ثم من تاثير على علاقاته عربيا واقليميا ودوليا, وقد تبدو الحسابات هنا معقدة, فالانحياز الى المحور الروسي مثلا قد يؤثر على علاقات الاردن مع محيطه ومحيطه العربي, كما ان القطيعة مع هذا المحور قد يضع الاردن في زاوية التهديد, خاصة من قبل التنظيمات الارهابية المجاورة لحدوده الشمالية مع سوريا والعراق, وهنا يحتاج الاردن الى رسم قواعد جديدة لدوره والى تفاهمات متنوعة مع مختلف اللاعبين في المنطقة, ومع انها تبدو عملية صعبة الا انها ممكنة، اذا ما اعتمد استراتيجية واضحة على قاعدة “ الحياد “ الايجابي التي تعامل بها مع ازمات المنطقة فيما سبق.
اما المسألة الثالثة فهي ان خيبة الاردن من الرهان على التحالف الذي قادته واشنطن ضد “ داعش “ تستدعي التدقيق مجددا في الرهان على موسكو وقدرتها على التوصل الى حل سياسي في سوريا، واذا كان من المفهوم ان الصراع الدولي على سوريا ( والمنطقة عموما ) تحكمه تجاذبات المصالح الدولية والاقليمية فان خيارات الاردن – مهما كانت – يفترض ان تتكيف مع امكانياته ومصالحه, وان لا تعاند الجغرافيا والتاريخ فقد علمتنا تجاربنا العربية مع القوى الدولية الكبرى ان الحذر واجب،فالكبار غالباً ما يبتلعون وعودهم حين يحققون مصالحهم.
اذا دققنا في هذه المسائل وغيرها سنجد اننا امام سؤال اساسي تفرضه حالة الاستقطاب التي برزت بعد اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا،وما ترتب على ذلك من مواقف يمكن ان تأخذ المنطقة الى تحولات جديدة، أو إن شئت الى حرب “باردة” وربما مواجهة عسكرية (ثمة من يشير الى حرب عالمية ثالثة)، والسؤال هو: إلى اي محور سينحاز الأردن اذا ما وجد نفسه أمام مثل هذا السيناريو؟
ليس لدي اجابة محددة –بالطبع- لكن لا أعتقد ان بمقدور الاردن أن ينضم الى ايّ محور محدد ضد الآخر، وبالتالي فإن خيار “الحياد الايجابي” سيظل المخرج الوحيد للتعامل مع حالة الاستقطاب هذه،أما اذا وجد الاردن نفسه أمام اضطرار اختيار (الابيض او الأسود)، فإنه بحكم علاقاته التاريخية مع الغرب ومصالحه مع محيطه العربي (الخليجي تحديداً) سيجد أن افضل خيارته هو العودة الى التحالف الدولي ضد الارهاب التي تقوده واشنطن وتشارك فيه دول اوروبية وعربية ايضاً، وهذا سيرتب على الاردن التراجع خطوتين تجاه دعم التدخل الروسي.
هل يمكن ان يكون ثمة طريق ثالث، او اطار يضمن تحالفاً دولياً أوسع يضع حداً لحالة الاستقطاب الدولي (الروسي الغربي تحديداً) وتجاه الحرب في سوريا والمنطقة، ويساعد الاردن في الخروج من دائرة المخاوف والهواجس على دوره وانحيازه لهذا المحور او ذاك؟
يمكن، بالطبع لكن يبدو في ضوء الصراع في المنطقة وعليها، وتضارب المصالح والاجندات والاستثمار في استنزاف كل طرف للآخر، وعجز الجميع عن “التوافق” على الحلول السياسية، ان الطريق الثالث بعيد جداً، وربما يحتاج الوصول اليه والاقتناع به الى سنوات طويلة, وعليه، لا يمكن للأردن ان يحافظ طويلا على قاعدة “اللعب” على المتناقضات التي كانت تضمن له الدخول في مسارات متعددة في نفس الوقت، وبذات الطريقة، كما لا يمكن له ان يضمن مكاسب حقيقية بالانحياز لمحور على حساب آخر، وهذا يفرض عليه مسألتين : الاولى تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة ايّ مفاجأة، والاستثمار فيها بشكل مؤسساتي ومدروس، والثانية عدم الرهان على “المكاييل” الدولية بشكل مطلق، بما يقتضي البحث عن مواقف وخيارات متوازنة على قاعدة الحياد الايجابي التي اشرنا اليها سلفاً.
الدستور