ستة وستون عاماً تفصلنا عن تلك الأزمة التي أوشكت أن تعصف بالعالم كله هي أزمة خليج الخنازير في كوبا عام 1961، يومها كانت الحرب الباردة بكل عافيتها وما من قطب واحد يستفرد بهذا الكوكب، لكن انفراج تلك الأزمة بدلاً من انفجارها حولها إلى أمثولة في الذاكرة، تقترن بفوبيا حرب كونية.
ومنذ بدأت الأزمة السورية قال بعض المراقبين المخضرمين الذين عاشروا الحرب الباردة أن دمشق ستكون مجالاً حيوياً لصراعات دولية لا يعلم نهايتها غير الله والضليعون في فقه الدسائس الدولية.
وأحيانا لا تحتاج حرب مهما اتسعت إلى أكثر من قشة تقصم ظهر البعير خصوصاً إذا كان هناك من التوتر ما يكفي لإطلاق شرارة حتى لو كانت من حجر، والقشة لا تقاس بحجم الحدث، سواء كان اسقاط طائرة أو انتهاك حدود وسيادة، انها قد تكون أقل من ذلك بكثير كما يروي لنا التاريخ.
لكن الشبه بين هذه الليلة والبارحة لا يتوقف عند التلاسن السياسي والتراشق الإعلامي، فهناك إرادات دولية قرر أصحابها تجريب لعبة عض الأصابع، كتمهيد أولي لقياس منسوب القوة وما طرأ منها بعد ربع قرن على الأقل من الحرب الباردة.
واللافت للانتباه أن الولايات المتحدة لا تقف هذه المرة في الواجهة وكذلك حلفاؤها في الناتو، وليس معنى ذلك أنها تختفي وراء اصبعها كما يقال أو ترتدي طاقية الاخفاء، لكن الطرف المباشر في الأزمة الآن هو تركيا، عضو
الناتو الذي استضافه الحلف عام 1952 بمادة استثنائية من دستوره ولأسباب معروفة لدى الجميع.
وهناك ثلاثة عوامل على الأقل تدفع تركيا الأردوغانية إلى مواقف أقرب إلى الراديكالية، منها ما تشعر به من رخاء اقتصادي تحقق في العقد الأخير ومنها الفوز المثير لأردوغان وحزبه بعد رهانات عديدة على مغادرته المسرح السياسي ومنها أيضاً شعور تركيا بأن ما انتظرته طيلة خمس أعوام هي عمر الأزمة السورية لم يعط الثمر المطلوب.
لكن أوجه الشبه مهما كثرت بين الحروب لا تلغي خصائصها وقدر تعلق ذلك بالحرب الباردة، فإن ما يحدث الآن حتى لو تصاعدت وتيرته لن يؤدي إلى انفجارات كبرى تتشكل من حاصل جمعها حرب كونية.
فالعالم تعددت أقطابه، كما ان إعلان مجلس الأمن بإجماع أعضائه أن الأولوية هي للحرب على الإرهاب من شأنه أن يدفع أطرافاً عديدة لإعادة النظر، اللهم إلا إذا كان بينها من يغذي الإرهاب من تحت الطاولة!
الدستور