تسعة أعوام من الحكم العبدلي النبيل
سامي الزبيدي
11-06-2008 03:00 AM
ننعم بالأمن وهو رأسمال وطني غير قابل للنفاد، ونعاني في المقابل من شحة في المصادر الطبيعية ففي الماء نعد نحن كواحد من أفقر أربع دول في العالم ، وفي حجم التأثر بالارتفاع الحاد لاسعارالمواد الغذائية أن "الفاو" صنفت الاردن كواحد من أفقر ست دول في العالم، وفوق ذلك كله نعاني من حالة اللا يقين في خياراتنا الاستراتيجية وهي مثلبة يتحمل وزرها من كان في قمرة القيادة الاقتصادية لسنين خلت دون انقطاع.وأيضا ثمة مشكلات بنيوية تعتور المشاريع الكبرى فمبادرة "سكن كريم" بوشر العمل فيها قبل أن تفتح عروض المقاولين وكأن البعض قد استلم مهامه في البناء دون المرور في القنوات الرسمية مما يلقي ظلالا من الشك على آليات تنفيذ هذه المبادرة.
منذ أن تسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية قبل تسعة أعوام والهم الاقتصادي مقدم على غيره من الهموم لدى جلالته وقد قاد الملك جهدا استثنائيا وجبارا لإقناع رساميل عربية وأجنبية للاستثمار في البلد ووجه جلالته السلطة التشريعية نحو تحديث البنية القانونية في البلاد وأقام جلالته شبكة أمان دولية لحماية الاردن من غوائل الزمان عبر تمتين عرى الصداقة مع العواصم الفاعلة دوليا وإقليميا والأردن اليوم ليس له أعداء جديين في النادي الدولي أو العربي، فهل أسهمت الحلقات العليا لصناعة القرار في دعم جهود جلالته وإكسابها أبعادا شعبية راسخة؟
حتى اللحظة فان الإجابة للأسف تشير الى النفي فالقوى التقليدية شعرت انه اسقط في يدها ولم تعد تستطيع مواكبة إيقاع العصر السريع في المقابل نشأت طبقة طفيلية أثرت سريعا وحاولت وتحاول ترسيخ ثقافة قائمة على الألعاب الاكروباتية "الهلوانية" والتضليل و"الثلاث ورقات" بحجة أنها تتحدث بروح العصر فأضاعت مئات الملايين على مشاريع تشبه الطيران التشبيهي إذ ترى مدرجا وأجنحة وكابينة لكن ذلك ليس موجودا على الأرض، وها نحن تقطف الثمار المرة لنهج أنتجته مدرسة اقتصادية اثبت الواقع فشل رؤاها.
إننا اليوم أمام الثابتين الوحيدين في الدولة :العرش والناس والدستور الراقي بينهما وهذه الاقانيم الثلاثة هي في المحصلة ما يبقى من الاردن والباقي تفاصيل لا بد وان تطويها يد النسيان.
بعد تسعة أعوام من الحكم العبدلي النبيل نرى أننا نقف مجددا على مفترق طرق سواء في خياراتنا الإقليمية أو المحلية ففي المستوى الإقليمي فان التجربة أثبتت أن الرهان الأصيل يبقى الرهان على النفس أولا وعلى المرجعية العربية ثانيا وهي الشبكة المتينة التي يمكن أن تؤمن المستقبل، أما على الصعيد الوطني فان التطرف في المحافظة يشبه الى حد بعيد التطرف في اللبرلة فكلا الطرفين خسر الرهان التاريخي والمملكة اليوم وبعد تسعة أعوام مدعوة لتجديد روحها السياسية من خلال تجديد النخبة السياسية بشروط عصرية ( ليبرالية وطنية) مزكاة عبر صناديق الاقتراع.
إننا نواجه اليوم تحديات خطيرة على المستويين الإقليمي عبر الآثار المترتبة على توقف العملية السلمية وكذلك محلية قائمة على نقص الموارد واستنزاف الموجود منها والابتلاء بنخبة سياسية غير قادرة سوى على الرقص على الحبال والمناكفة.
قد تشكل روحية الحكومة الحالية نواة لفكرة الموائمة بين متطلبات الاندماج في السوق الدولية ومتطلبات المسؤولية الاجتماعية وقد تكون هذه الحكومة باكورة إنتاج نخبة سياسية تعي أهمية هذه المعادلة ( بعد تعديلات محتملة يخرج بمقتضاها غير المتوافق مع روحيتها ويدخل فيها من يتوافق).
تسعة أعوام والشعب كتفا الى كتف مع الملك رغم انخفاض منسوب الثقة ببعض أركان النخبة السياسية لكن من يقرأ التاريخ يطمئن الى أن العرش دائما يذهلنا في قراءة نبض الأردنيين.
samizobaidi@gmail.com