القرحة الهضمية .. هل هي معدية؟!
11-06-2008 03:00 AM
لعقود عديدة ظلت الأبحاث الطبية ودراسات الطب تربط العلاقة مابين القرحة الهضمية في المعدة والاثني عشر بإفرازات العصارة المعدية لكن هذا المفهوم انقلب في السنوات الأخيرة مما أعطى آفاق جديدة في معالجة هذا الداء المزعج والذي أصبح بعد من أمراض العصر بالإضافة إلى تهيج القولون والقولون العصبي ويمتاز بنوبات من الألم الحاد التي تصيب المريض مما يضطره في بعض الحالات إلى تناول الأدوية المضادة للقرحة طوال حياته ويتحول إلى حالة مزمنة, وبعد اكتشاف الجرثومة المسؤولة عن القرحة الهضمية سهلت عملية العلاج واكتشف بعض أنواع المضادات التي يمكن أن تكون بمثابة علاج واقي من الإصابة بالقرحة.
وقد تم اكتشاف هذه الجراثيم قبل ما يزيد عن عشرة أعوام حيث قام الباحثين باكتشاف جراثيم ملتوية الشكل في الطبقة المخاطية للمعدة البشرية ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا والأبحاث مستمرة حول ما لوحظ من وجود مستعمرات جرثومية في جدار المعدة , هذا ويذكر أن أول بحث جدي حول هذا الموضوع قد بدأ عام 1983 من قبل طبيب استرالي يدعى (باري مارشال) حيث قام هذا الطبيب بعزل جراثيم عصوية منحنية الشكل في خزعات معدية مأخوذة من بعض حالات التهاب المعدة المزمن , ولاحظ تشابهها مع الجراثيم المسماة المتقوسات (Campylobacter) وهو جنس جرثومي معروف منذ زمن بعيد ويتسبب في عدد كبير من الانتانات مثل حالات الإسهال الحاد عند الأطفال ولكن لاحظ وجود بعض الاختلافات بين هذه الجرثومة والأنواع الأخرى فاعتبر هذه الجرثومة جنسا منفصلا وسماه الهيلوباكتر بيلوري(Helicobacter Pylori) وهذه التسمية ما زالت جارية حتى الآن.
وحول موضوع هل القرحة الهضمية معدية فقد كشفت الدراسات عن وجود مستعمرات هذه الجرثومة عند عدد كبير من الأصحاء الذين لم يعانوا من أية أعراض هضمية وقد لوحظ ازدياد معدل الإصابة مع تقدم العمر ومن خلال دراسة أجريت في بريطانيا وجهت إلى أفراد العينة التي أجريت الدراسة حولها أسئلة حول ظروف معيشتهم في سنوات الطفولة المبكرة حيث تبين ازدياد معدل تعرض الشخص للإصابة بالمرض إذا كان قد عاش طفولته في بيئة أكثر ازدحاما مما يشير إلى احتمال الإصابة بالعدوى وقد تبين بان معظم الإصابات تنتقل إما عن طريق البراز أو اللعاب هذا وقد تبين أن 70% من المصابين ينقلون العدوى إلى أزواجهم و40% إلى أطفالهم.
هذا وبقي اللغز المحير فعلا لماذا تتطور القرحة الهضمية فقط عند المصابين بالتهاب الهيليكوباكتر , وقد وجد الباحثون ارتباطا وثيقا بين التدخين وتناول الكحول وبين الإصابة الانتانية بالهليكوباكتر أما الشدة النفسية (Stress) فقد كان قياسها صعبا لذلك لم يستطع العلماء تأكيد نظرية الشدة النفسية في إثارة القرحة , هذا وقد شكل اكتشاف الهليكوباكتر ثورة في علاج القرحات الهضمية حيث لوحظ أن معظم القرحات المترافقة معها قابلة للشفاء والاستثناءات هي القرحات التي سببها إما الاستعمال المديد لمضادات الالتهاب غير الستيروتيدية كالأسبرين أو الايبوبروفين أو اضطرابات أخرى مثل بعض الأورام التي تحرض الإنتاج الزائد من الحمض في المعدة بالإضافة إلى تسهيل عملية تشخيص المرض حيث أغنى هذا الاكتشاف عن عملية التنظير المعدي المزعجة للمرضى بحيث يمكن تشخيص المرض من خلال التحري عن الأجسام المضادة للجرثومة في مصل المصاب , ولكن تجدر الإشارة إلى أن وجود الجرثومة لا يعني بالضرورة وجود قرحة معدية كما ذكرنا فبكتيريا الهليكوباكتر بيلوري تنتشر أيضا عند نسبة لا بأس بها من الأصحاء .
هذا وينصح الأطباء بتطبيق العلاج بالمضادات الحيوية على الأشخاص الذين يعانون من قرحات مؤلمة ومعاودة, وثبت بالتحليل ألمخبري وجود الإصابة الجرثومية لديهم ونصحهم الأطباء بالمعالجة الجراحية , هذا وقد كانت المعالجة تتم باستخدام مضادات الهستامين فقط حيث كانت تحدث انتكاسات مرضية عند أكثر من ثلاثة أرباع المرضى وذلك لبقاء الجرثوم لديهم ولكن عند البدء باستخدام مضادات حيوية مثل تتراسيكلين ومترويندازول بالإضافة إلى مضاد حموضة ومضاد هستامين ولمدة أسبوعين لوحظ أن معظم المصابين قد تماثلوا للشفاء وان حالات نادرة جدا حدث فيها انتكاسات مرضية, ولكن من مساوئ نظام المعالجة هذا انه مزعج فعلى المريض اخذ كميات كبيرة من الحبوب والأدوية يوميا وان تطبيق هذا النظام بشكل عشوائي وعلى نطاق واسع يمكن أن يؤدي إلى ظهور سلالات جرثومية مقاومة وبالتالي تعود القرحة مرة أخرى, وقد خلق هذا الاكتشاف تهديدا لشركات الأدوية المصنعة لمضادات الهستامين والتي كان المريض يتناولها بصورة يومية ولفترات طويلة قد تمتد طوال العمر حيث تكبدت هذه الشركات خسائر مالية فادحة بعد أن كانت منتجاتها تعتبر الأكثر بيعا على مستوى العالم.
وقد ذكر فريق من الباحثين من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية أن جرثومة الهليكوباكتر بيلوري يمكن أن يكون عاملا مساعدا في إحداث سرطان المعدة من خلال إثارة التهاب المعدة والتسبب في طفرات قد تؤدي إلى ظهور أورام سرطانية خبيثة تتضمن سرطان المعدة والقولون, ولكن من حسن الحظ بأن نسبة المصابين بسيطة حيث أن أجسام المصابين المهيأة بالإصابة تتأثر بوجود عوامل مساعدة أخرى في إحداث سرطان المعدة مثل نظام الغذاء (الإكثار من تناول الملح ونقص تناول الخضراوات والفواكه الطازجة) أو عوامل وراثية أو مواد سمية .
هذا وما زال البحث مستمرا في مجال إيجاد حلول جذرية لمشكلة القرحة الهضمية ووسائل التخلص منها على أمل شفاء ملايين المصابين حول العالم ومن ناحية أخرى اظهر عدد كبير من المرضى الرغبة في التوجه إلى الطب البديل وقد أثبتت بعض المستحضرات النباتية فعالية جيدة في هذا المجال مثل استخدام دبس الرمان ودبس الخروب على شكل مشروب يومي وبكمية معينة , هذا بالإضافة إلى إدخال بعض أنواع الأعشاب الطبية في تصنيع الأدوية المضادة للقرحة مثل البابونج والزعتر البري والقصوان وكيس الراعي والبلوط وغيرها من الأعشاب التي كانت تستخدم قديما في الطب العربي ولكن من الجدير ذكره أن الاستخدام العشوائي لهذه المواد قد يحد آثارا سلبية نحن بالغنى عنها لذا يجب استشارة الأخصائيين في مجال أمراض الجهاز الهضمي لمعرفة المزيد عنها , راجية من الله الشفاء للجميع.