الى متى يعاني الجنوب من عقوق ابنائه المسؤولين؟
د.عبد الناصر الخصاونة
26-11-2015 09:28 PM
يتذيل الجنوب الاردني بكل ما ما يمثله من رمزية تاريخية وسياسية واقتصادية ، سلم أولويات الحكومات المتعاقبة .
فالجنوب مهد الدولة الاردنية وموطن عاصمتها الاولى ومخزن ثرواتها ومعيل خزينتها، ظل يعاني من تهميش ممنهج رغم كل الوعود والخطط الحكومية المعلنة لتنمية الارض والإنسان الجنوبي ، الا ان شيئا على الارض لم يتغير ولم يلمس ابن الجنوب اي تحول او تغيير في واقعه المرير، باستثناء التطور اللافت والوحيد في النمط المعماري للمقار الحكومية والأمنية القابعة فوق ارض جرداء وبيوت متناثرة متهالكة وشعب يعاني يعاني القهر والظلم والتجاهل والفقر.
الامر لا يتطلب معجزة او عصى سحرية لإعادة محافظات الجنوب الى خارطة التنمية والتطور والحداثة ، بل يتطلب ارادة صادقة وقرارات حاسمة وتنفيذ عاجل ، فمنذ ان وعيت على بيانات الثقة الحكومية ونحن نسمع عن مشروع القطار السريع الذي يربط الجنوب بالعاصمة وبمحافظات الشمال، فما ( او من ) الذي يعرقل هذا المشروع الحيوي !! خاصة ان ثمة خيارات واسعة لتمويل المشروع عن طريق استدراج شركات محلية او عالمية لتنفيذه وتشغيله على غرار تطوير مطار الملكة علياء .
القطار السريع سيحيي الجنوب وسيذيب معيقات الاستثمار في المحافظات الجنوبية وسيخفف من الاعباء الاقتصادية الناجمة عن نقل البضائع والركاب ، وكذلك سيخفف عبء الهجرة الى العاصمة وما تشكله من ضغط على البنية التحية والاكتظاظ السكاني فيها . فلن يعد ابن الجنوب الذي يعمل في عمان يجد صعوبة او تكلفة في المال والوقت في العودة الى مدينته كل يوم اذا ما وفرت الحكومة له وسيلة نقل آمنة وسريعة والتي تتمثل بالقطار السريع.
وبالمقابل ، ما الذي يمنع من استغلال المساحات الواسعة التي تمتد على طول اكثر من ٣٠٠ كلم جنوب العاصمة في مشاريع زراعية تضعنا على سكة الاكتفاء الذاتي ، ومشاريع الطاقة البديلة لحل ازمة الطاقة التي تعاني منها البلاد ، والمدن المتخصصة ، كإنشاء مدينة للقطاع التكنولوجي على سبيل المثال تضم جميع الشركات والمؤسسات العاملة في مجال التكنولوجيا ، ومدينة للصناعات الحرفية والتراثية...وغيرها.
أما السياحة فلا يكفي مجلدات للتباكي على الواقع السياحي في الجنوب ، فعين الحكومة لا ترى في الجنوب سوى العقبة والبترا باعتبارها وجهات سياحية تستحق الترويج، وليتها احسنت الاهتمام بهما، علما ان ثمة مناطق مهيأة لتكون قبلة سياحية عالمية ولكن لا ينقصها سوى جهد متواضع ورؤية مبتكرة .
ظنت الحكومات ان الحل الأمني والتعيينات والتنفيعات قد تحل المشاكل والإضرابات الاجتماعية والعمالية الجنوبية، متجاهلة بان ذلك لا يتأتى الا باحترام ابسط حقوق الانسان بالحرية والكرامة والعيش الكريم والامن والمسكن والعمل والتنقل والتعليم والصحة ، وتنمية العقل وتعزيز مهارات الانسان الجنوبي، والتوزيع العادل للثروات والخدمات والبنى التحتية .
يحدث ان يشرب الاردنيون من مياه الديسي، وتضاء مدنهم بشمسها، وتنتعش اجسادهم ببحر عقبتها، وتملئ خزينة حكومتهم بخيرات وثروات فوسفاتها وبوتاسها و.. ، وتدار بلادهم بكفاءات وسواعد ابنائها، ويحدث ايضا أن يكون الجنوب الأكثر فقرا وقهرا وظلما وتكون بنيتها التحتية الأسوأ .. يا لها من مفارقة .
المفارقة الأكثر مأساوية ان محدثكم ابن الشمال طالما كان ينظر للجنوب على انه الأكثر قربا ودلالا عند صناع القرار، وطالما ما كنت اشعر ( وغالبية ابناء الشمال) بأن الجنوب يحظى برعاية ومعاملة مميزة على عكس الشمال. فكم من منصب قيادي تولاه القادمون من الجنوب ولكن تكفلت زيارة واحدة الى بعض محافظات الجنوب المهمشة لأدرك حقيق المثل الشعبي " اللي ما بعرف بقول كف عدس.."
لم أكن وكثيرون مثلي ندرك ان غالبية قيادات الجنوب ونوابهم وأعيانهم والقيادات السياسية تسلقوا على خصوصية الجنوب ليجلسوا على كرسي السلطة وحين وصلوا لمبتغاهم تَرَكُوا الجنوب واستوطنوا العاصمة وخلعوا ثوبهم وألقوا بمعاناة ومطالب وتطلعات الجنوب عند بوابة عمان الجنوبية ، الا من رحم ربي .
للجنوب رب يحميه ..