صباحنا منذ إن غادرتنا قبل إربعة وأربعين دهرا
مليءٌ بالألم وقهر الرجال ، وما زالت صباحات تشرين وغيمه الداكن بالحزن والحداد يسأل عن سيد فتيان الأردن : " علامك غبت والدنيا تشارين " .
غادرتنا أبا مصطفى جسدا أرادوا وأد مشروعك الوطني وحلمك القومي بتحرر فلسطين ، كيف وأنت العدو اللدود للصهيونية منذ كنت تقاتل في جيش الإنقاذ .. ولكن لم يدروا ولعلهم عضّوا أصابعهم ندما وحسرة بأنك لم تمت وتولد كل يوم وكل صباح وكلما مر الأردنيون من قباب الجامعة الأردنية أو ركضوا في ميادين المدينة الرياضية وكلما فتحوا جريدة "الرأي " طالعوا روح وصفي ..
فما زال وجهك كما هو يستذكروه الآباء وأنت تلبس الفوتيك والغليون في فمك وتجالس حابس باشا المجالي وتقول للعسكر في الأيام الشداد : "بدها شوية صبر" ... !
صباح الخير وصفي
تفتقدك عمان ورغم شوارعها الكثيرة وقد داهمتها غابات الإسمنت وقرضت ما تبقى من مروجها ومن روحها ومن هويتها .. موارس عمان التي كانت تزرع قمحا وفقوسا وباميا ومحبة وقد أخبرت عدنان ابوعودة أنك ستصدر قرارا عند عودتك من مصر لمنع البناء في غربها لأن الزرع هناك ينمو على الندى .. ابشرك اصبحت عمارات للإيجار وتباع الأرض بالسينتمتر والأردنيون باعوا ما تبقى من "الوطاة" ليدرسوا أبنائهم أو يسدوا فقرهم ويا ليت الأبناء فلحوا وحافظوا على موارس وبيادر الآباء، وإنما رجعوا يتسوّلون بيوتا للإيجار في مجتمع لا يعرف الجار الجار .
صباح الخير يا وصفي
صباح الشهداء الذين إلتحقت بهم وقد حذرك أبوك عرار قبل سنوات وهو يخاطبك :
"عداك الذام يا وصفي
ودرب الحر يا وصفي
كدربك غير مأمونة ..."
وتصعد الطائرة نحو القاهرة وتعرف أنهم يكيدون لك وتصرّ على الذهاب مخافة أن يقال وصفي تراجع لتدافع عن وجهة نظر الدولة الأردنية أمام العرب وتقول :
"ما دام هالسراج في زيت لازم يضل ضاوي "..!!
وخلص الزيت وظل وجهك مضيئا كسنابل حوران وشمس الحصادين ، وظل الوطن في وجهك رؤى ورؤيا وظل دمك عربون محبة وولاء للوطن وللقيادة فما قتلوك ولكن صنعوا لك مجدا لن ينالوا من كعب حذائك .. وخسؤوا كما قلت : " تخسا يا كوبان منت وليف إلي ولفي شاري الموت ولابس عسكري ".
السلام عليك يا وصفي وعلى روحك الأردنية وأنت ترقد بين سنديان "الكمالية"، وما يزيدنا إستشهادك إلا مضاء وعزيمة برؤيتك وحلمك الوطني الكبير وأن الأردنيين سيبقون
مشاريع شهادة منذ الحارث بن عمير وجعفر الطيار ومرورا بعبدالله الأول وهزاع المجالي وفراس العجلوني وليس إنتهاء بمعاذ الكساسبة .