نظرية المؤامرة إذ تستوطن عقولنا!!
د. زيد نوايسة
26-11-2015 12:05 PM
المؤامرة في تفسير الأحداث هي ملجأ الضعفاء دائماً، والذين لا يخضعون ما يجري من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية للعقل وأدواته في التحليل المنطقي والعلمي الذي يستند إلى معلومات وحقائق ملموسة وليس تمنيات وأوهام وأحلام، بل يستسلمون لتفسيراتهم الرغائبية، والتي تخدم المعتقد الديني أو السياسي أو تأتي استجابة لمن يوظفهم بشكل مباشر أو غير مباشر خدمة لمصالحه وأهدافه سواء كانت تلك الجهات دول أو أجهزة أو مؤسسات، ولعلها تأتي في أغلب الأحيان تفادياً لتحمل المسؤولية عن الأخطاء وإلقاء العب كاملاً على المؤامرة ولعل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والتواصل الاجتماعي والتدفق الهائل للمعلومات والأفكار دون ضوابط ساهمت في المواربة والتضليل وإخفاء نصف الحقيقة توطئة لتشكيل الفهم التآمري الذي يستوطن العقل العربي خصوصاً بشكل مكثف!!.
والحقيقة أن مفهوم "نظرية المؤامرة" ليست حكراً على العرب والمسلمين إذا كنا منصفين وموضوعيين،وإن كانت تسكن العقل العربي هذه الأيام وتشكل مرجعيته في الحكم على الوقائع، سواء تعلق الأمر بالمواطنين عامة أو النخب المثقفة وحتى السياسيين الذين ساهموا بصنع كثير من الأحداث التي عصفت بالعالم العربي أقلها في العقدين الأخيرين، والعالم أيضاً مشغول بها وحتى في الدول الأكثر تقدماً كالولايات المتحدة الأمريكية تجد أن هناك من لا يزال يؤمن د بنظرية المؤامرة في تفسيره للإحداث؛ مثلاً هناك من لازال يشكك بقصة غزو القمر حتى اللحظة ومنهم ما هو مُصر على أن اغتيال كندي مؤامرة من الحكومة الأمريكية وان قصة الأطباق الطائرة هي من صنع البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية). والحقيقة أن مجرد كبسة زر على محرك البحث GOOGLE بحثاً عن كلمة "مؤامرة "(Conspiracy) تسعفك بآلاف المقالات والدراسات باللغة الانجليزية تتحدث عن هوس العالم الغربي وأمريكا تحديداً بالأمر!!
ربما يكون لصناع السياسة والرأي العام هناك في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أسبابهم ودوافعهم ومبراراتهم التي تخدم في المحصلة هيمنتهم وسيادتهم على العالم. ولكن الكارثة هنا في عالمنا العربي هي سيطرة نظرية المؤامرة بالإضافة إلى التفسير الغيبي للأحدث ومنطق العرافين وقارئي الفنجان والكف في تحليل الأحداث التي تعصف بنا؛ وإلصاق كل الهزائم العربية الأكثر مأساوية بالآخرين، وتحميلهم ما اقترفته السياسات العربية الفاشلة من خلال سلبيتها وتواطؤتها الظاهرة والمخفية، وربط كل شيء بفكرة نظرية المؤامرة التي يقف وراءها دائماً من يضمرون الشر والكره للعرب والمسلمين. فنجد مثلاً أن هناك ما زال للآن يسقط نظرية المؤامرة على قصة أحداث 11/9/2001 والعمل الإرهابي الذي قام به تنظيم القاعدة في ضرب أبراج نيويورك ويؤكد بأن الأبراج دمرت بصاروخ حرف مسار الطائرة نحو الأبراج وان العرب والمسلمين المتهمين كانوا مجرد ركاب عاديين ألصقت التهمة بهم، والغريب أن هذا يحدث بالرغم من أن فضائية الجزيرة قدمت بالصوت والصورة اجتماعا لزعيم التنظيم الإرهابي "القاعدة" بن لادن وهو يتحدث عن العمل قبل حدوثه بأشهر ثم قدمت لاحقاً ما يفيد اعترافه وتحمله المسؤولية، بالإضافة إلى أن كل جرائم التنظيم الإرهابي وإفرازاته من تنظيمات إجرامية ماثله ولا تحتاج لعبقرية لاكتشافها !!.
قبل أيام شاهدت تحليلاً على قناة فضائية المفترض أنها رصينة تؤكد أن الإرهاب الذي ضرب العاصمة الفرنسية مجرد وهم ومؤامرة من اجل التدخل في سوريا ويدللون على صحة رأيهم بأن الجثث لم تعرض للناس ولوسائل الإعلام، هكذا بكل بساطة يمكن لدولة بحجم فرنسا أن تعرضها شعبها ومؤسساتها وسمعتها كبلد متقدم يصعب اختراقه !! في تلك اللحظة تذكرت أننا هنا في الأردن وقبل عشر سنوات عندما ضرب الإرهاب العاصمة عمان خرج من يسقط نظرية المؤامرة على الجريمة البشعة حتى أن إلقاء القبض على المجرمة ساجدة الريشاوي والأحزمة الناسفة تزنر خصرها لم يكن كافياً لإزالة غياب الوعي عنهم وعن عقولهم !!.
ما دعاني للحديث والكتابة هنا، ما يسيطر على حياتنا من تحميل للأخر في هذا الكون كل ما يجرى لنا من حروب وضياع وتفتت وانقسام فبمجرد حضور ندوة أو مؤتمر أو برنامج تلفزيوني أو حتى أداء الشعائر الدينية، تخرج بانطباع أن الغرب الصليبي الحاقد والشرق الملحد وبلاد الهند الهندوسية والصين البوذية وإيران المجوسية بالإضافة للصهيونية والماسونية العالمية، وبعضهم لم ينس المخلوقات الفضائية التي تضمر للعرب والمسلمين الكره والحقد، واستدرك بذات الوقت ماذا قدمنا للعالم حتى يتآمر علينا ونجمع المتناقضين فيما بينهم على كرهنا!!.
ربما من المنطقي أن لا ننفي مطلقاً وجود المؤامرة كمفهوم مجرد موجود في هذا الكون منذ بدء الخليقة وسيستمر إلى قيام الساعة ولكن الأكثر منطقية هو إعمال العقل وترك المساحة الكافية له للتفكر والتبصر دون أية قيود دينية واجتماعية وثقافية، وان يقر العرب بأن ما يجري من صنعهم أولاً قبل كل شيء، ولا يعقل أن يستكين الإنسان العربي والمسلم إلى نظرية أن كل الكون بكل مكوناته وأعراقه وأطيافه ضده ولا هم له إلا تدمير الإنسان العربي والمسلم تحديداً فهناك عرب من أديان وطوائف ومذاهب أخرى غير معترف أنهم مشمولون بالمؤامرة والاستهداف حسب من يروجون لنظرية المؤامرة والفكر التآمري، بل أنهم متهمون للأسف مع المتآمرين!!.