عندما تفقد القيم الجليلة قيمتها العظمى في حياة الشعوب ,فإقرأ عليها السلام عندها , وتيقن من حقيقة أن الزمان آخر زمان ,وعندما تغدو القيم مادية وحسب فلا فضيلة تذكر إلا بمقابل مادي صرف , فأعلم أن خالق الكون جل في علاه , غير راض ابدا عن عباده , وأن سخطه سبحانه قد حل أو هو على وشك .
عشت طويلا وعرفت كثيرا وخبرت عديدا من عباده , قلة منهم أحمد الله أن عرفتهم , وكثرة لكم تمنيت لو لم أرى سحنهم يوما , فكلما مروا في خيالي , تذكرت فورا نصيحة ذلك البرلماني المغاربي الذي قال لي ناصحا في بلاد غريبة خلال مؤتمر برلماني ذات يوم , " أرغب في التعرف إليك , فكما ارى يبدو لي انك تعطي غيرك كل ما عندك وبإخلاص مثير , نصيحتي لك ان لا تفعل , فالناس لا يستحقون , إتعب فقط من اجل نفسك , فهذا الزمان مختلف تماما , ويبدو لي انك تعيش في زمن كان جميلا مضى ولن يعود " .
أفكر دائما في تلك النصيحة وأقيسها بواقعنا اليوم , واكتشف انها فعلا في مكانها الصحيح , وأسأل غيري فأجد الداء واحدا عند الجميع , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , فلقد تبخرت كل القيم الجميلة الجليلة من حياتنا , وحلت مكانها قيم جديدة لا فضيلة فيها , حيث المال ولا شيء غير المال , هو السيد والسند وعنوان الحياة وشؤونها , من يملكه هو السيد , ومن لا يملكه بين خيارين لا ثالث لهما , فإما عبد لمن يملك , وإما فليقعد ملوما محسورا .
هذا زمان ملتبس وبالذات عندنا نحن العرب , بعد أذ إنقطعنا تماما عن موروث عظيم طابعه قيم لا أحلى ولا أغلى ولا أجمل , وإستعضنا عنها بقيم ليست بقيم , إلا بقدر ما تساوي ماديا فقط , وصرنا سادة وعبيدا معا , والقاسم المشترك مادي بإمتياز , فلا نحن كنا ولا نحن صرنا , وغدا المنافقون والإنتهازيون والمتسلقون والوصوليون والمنقطعون عن ماضينا وماضيهم , هم سكان الحلبة وأهلها وسادتها , أما من إستحى وعف وإستأثر , فلا مكان له وسط الزحام , وليس له إلا ان يراقب وحسب . ايها السادة , نحن لسنا عبيدا , وانتم لستم ساده , والله من وراء القصد .