لا نعرف اسم الكلب الذي أثار ضجَّة كبيرة داخل قريتنا من القرن الماضي... لم يذكر الرواة اسمه ولكنهم استفاضوا في وصف الحادثة... جاء أحد ضباط الاستعمار البريطاني إلى القرية لطمأنة الناس على أمنهم مع انتهاء الغزو القبلي ويحثّهم على ممارسة حياتهم اليوميّة كالمعتاد... جاء الكابتن بسيارة الجيب وقد برز من نافذتها بجانب السائق كلبه المدلل الذي جاء للنزهة مع صاحبه إلى قريتنا...
لم يبدأ الحديث مع الناس حتى اجتمعت أغلب كلاب القريّة حول السيارة وهي تنبح بأصوات عالية كأنها تحتج على وجود ابن جنسها الإنجليزي في سيارة بينما هي لم يحظ حتى جرو أعرج منها بركوب حمار ...
لم يستطع الرجال تفريق الكلاب فغادر الكابتن بعد أن لقن المختار ما قدر على إسماعه من تعليمات ... الكلاب لاحقت السيارة حتى الوادي ثم عاد كل واحد منها إلى حوش صاحبه يهز ذنبه مستجديا نصف رغيف أو ملء حفرة شرابه بمصل اللبن من خريطة الجميد المعلقة في زاوية الحوش ... لا بد انه تخيل الرفاهية التي ينعم بها زميله القادم بسيارة يقودها كابتن.
في حوادث هجمات باريس ما غيرها ضجت مواقع التواصل الاجتماعي الأوروبي بالحزن والعويل على مقتل الكلب البوليسي... ديزل... خلال الاشتباكات في شارع سان دوني بباريس... أصدر القوم هاشتاغ بعنوان أنا كلب حظي بخمسة عشر الف تغريدة في اليوم الأول تمجّد وتكرم المرحوم ديزل الذي قضى قتيل محاربة الإرهاب الذي عانينا منه في بلادنا وحاربناه ولم نزل نحاربه قبل أن يسبح عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا ... لابد من السؤال بمرارة ... أين كان (وسم أنا كلب) عندما اتشحت شاشات العرض في العالم بآلاف الصور لأطفال العرب وهم يخرجون من تحت الأنقاض والموت يسم وجوههم ... مثلهم آلاف الثكالى يبكون على شباب مثل الورد تقطعت أجسادهم أشلاء في آلاف الانفجارات داخل المدن المزدحمة بسكانها.
لا نريد الاسترسال بالوصف فالصور مخزونة على الشبكة العنكبوتية ويمكن استعادتها بكبسة زر ... حتى بعض الدول العربيّة المنكوبة بالإرهاب تضامنت مع باريس ولوَّنت بناياتها العالية بألوان العلم الفرنسي ... ولكنها هنا وفي أوروبا وأمريكا لم يصدح مواطنها على الشبكة العنكبوتية بصرخة احتجاج على عشرات الآلاف من القتلى العرب الذين قضوا في تفجيرات الإرهابيين ... والنساء اللواتي ذهبن سبايا للبيع في أسواق النخاسة التي استحضرتها داعش الإرهابيّة من إحدى زوايا التاريخ المحرّف... كل هذا لم يحرك ضمير الأوروبيين بقدر ما حرّكه الكلب ديزل ... ترى هل سيصرخ المظلوم ويقول ... يا ليتني كلب ؟
الدستور