كالعادة، ومن شابه اباه فما ظلم، كان القناصون وقراصنة البر يطلقون النار على اعناق اطفالنا، ونحن ننهمك في سجال بيزنطي حول تسمية ما يحدث، هل هو هبّة ام انتفاضة ام مجرد حراك؟
والاسم الوحيد الذي غاب عنا جميعا هو اليتيمة رغم ملايين الاباء، فأسوا حال يعيشه اليتيم عندما يكون والده حيّا، لكنه ينكره ويشك في اصالة نسبه، اسابيع طويلة مرّت لكنها اشبه بليلة لا آخر لها، وما من كهرباء تبدد ظلماتها، فهي مضاءة بالحرائق، وبما يسيل من دماء البيوت الذبيحة.
انتفاضة بكل المقاييس، لكنها يتيمة وما من بواكي لها، او حتى من مشجعين، فملاعب الكرة اولى لأنها كرة رأس لا قدم، وذبح ذوي القربى اجدى لأن الاعرابي الذي فقد عقله وظلّه معا يقول لنا الصدر دون العالمين او القبر، وهو لا يقصد بذلك اكاسرة او قياصرة بل اشقاء وابناء عمومة، وهو آخر من يعلم بأنه يحارب نفسه وينتحر ببطء.
ولو شئنا مراجعة التقاويم الفلسطينية كما هي وليس كما تقدمها الاجندات فإن الانتفاضة لا تتجزأ، وليست دودة شريطية كما يتصور هواة عدّ العصي وليس تحمّلها.. واحيانا يكون التحقيب التاريخي لحراكات الشعوب مجرد ضرورة اجرائية ، لكن من تذكروا اعياد ميلادهم واعياد ميلاد كلابهم وذكرى رحْلتهم لا يتذكرون بلفور ووعده، لأن اسم بلفور وفقا لثقافة العولمة المعلبة هو نوع من الشامبو او مساحيق الغسيل، فالتجهيل المبرمج افرغ جيلا كاملا من محتواه التاريخي ونخاعه الوطني، وكأن من يموتون هناك انما يموتون دفاعا عن حياتهم ... تلك بالطبع مفارقة تخلط الضحك بالبكاء، فمن يموت ليعطيك ما تبقى من عمره يستحق ان تتذكره على الأقل وان تنحني على قدميه، لا ان تغيّر القناة الفضائية اذا اضاء وجهه عليها، لأنك تبحث عن كل ما يشبهك من مسوخ وكائنات رخوية ونساء مجهولات الاباء والامهات.
كم هم وحيدون .. وكم هم كثيرون في اقصى وحدتهم، فقد ادركوا قبل فوات الاوان ان على اليتيم ان ينجب اباه من صلبه واذا كسرت ساقه ينحت عكازه من عظم يديه!
الدستور