من يشوه الصورة ويشكك بالإنجاز؟!
د. محمد أبو رمان
10-06-2008 03:00 AM
مرة أخرى تقع الحكومة في فخ الشفافية وتنقلب الأعمال التي من المفترض أنها باتجاه التطوير والتحديث والارتفاع بالمستوى الاقتصادي والجمالي ومدعاة للشعبية إلى تساؤلات وقلق نخبوي وشعبي من شبهات الفساد التي قد تقع نتيجة حرص بعض المسؤولين على الاستفادة المالية الشخصية من هذه المشروعات.
تقرير الزميل يوسف ضمرة، بالأمس في"الغد"، حول وجود مؤشرات على الأرض ببدء العمل في مشروع "سكن كريم لعيش كريم" قبل فتح العروض المالية، يفتح بالفعل الباب واسعاً أمام هواجس الرأي العام من التلاعب حتى بمصداقية هذه المشاريع الريادية التي جاءت بإرادة ملكية لحماية الطبقات الفقيرة والوسطى وتأمين احتياجاتها.
ما يعزز الشكوك هي تلك الصور الفوتوغرافية المرفقة بالتقرير والتي تثبت بدء العمل بتلك المشاريع وتوقفها، ما يعني أنّ احالة عطاءات المشاريع عملياً جاءت قبل الإحالة القانونية! وهو إن لم يجد رداً واضحاً ومقنعاً من الحكومة، يتضمن شبهة فساد على مستوى عالٍ يرتبط بها بعض المسؤولين المستفيدين.
قصة هذه العطاءات تعيدنا من جديد إلى سؤال الشفافية، وهي المعول الحقيقي الذي يدمر مصداقية الحكومة وصورتها ويطرح شكوكاً شعبية كبيرة ومبررة حول كافة مشاريع البيع والاستملاك والبناء والتنمية، ويساهم في تآكل العلاقة بين الدولة والمواطن، مع تنامي شعور لدى شريحة واسعة من المواطنين أنّ هنالك مستفيدين ومتنفعين من المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تتم اليوم في سياق غامض وملتبس.
لا يجوز التسرع بإطلاق الأحكام والاتهامات جزافاً، إنّما من حقنا، بل واجبنا، في الإعلام، ومواطنين أن نشعر بالقلق والارتياب، بخاصة أنّنا لا نتحدث عن مشروع أو اثنين، إنما عن حزمة كبيرة من المشاريع الاقتصادية تقدر بالمليارات، وعن بيع ممتلكات وأراض للدولة، وقيام الدولة باستملاك أموال غير منقولة للمواطنين.
تبدو المفارقة مزعجة للغاية! ففي الوقت الذي نشهد فيه تطوراً عمرانياً ومشاريع تخطيط شمولية لمدينة عمان، والتحضير لمشاريع أخرى في العديد من المدن، ومشروعات لتجميل عمان وتحديد هويتها العمرانية وسماتها الجغرافية، لكن عدم وضوح خطوات السير في العديد من هذه المشاريع يؤدي إلى تجاهل المواطنين للنواحي الإيجابية والتطورات الحاصلة في مقابل زيادة الهواجس والرعب من وجود حيتان تأكل الأخضر واليابس، وتصل إلى ممتلكات الدولة، دون وجود أدوات رقابة ومساءلة حقيقية.
لا شك أنّ هنالك أفكاراً ومشاريع جديدة تشكل نقلة نوعية في مشهد عمان، كما هي الحال في ما يطلق عليه "سوليدير عمان"، وكذلك مناطق الأبراج، وترميم وتجديد بعض الشوارع كشارعي الرينبو والوكالات، وهنالك تفكير في مشاريع كبرى في عمان الشرقية، ونتمنى أن تصل مشاريع التحديث والتطوير والتجميل إلى باقي مدن ومحافظات المملكة، إلاّ أنّ كل ذلك يهتز في عين المواطن وتضعف قيمته أمام الشكوك التي تثيرها تساؤلات الشفافية والوضوح.
في مرحلة حرجة وحساسة كهذه، تمر فيها البلاد بأزمة اقتصادية شديدة تمس شريحة واسعة من المواطنين، وتضطر الحكومة إلى بيع ممتلكات الدولة، والدخول في مشاريع استثمارية بالملايين، فثمة ضرورة سياسية بأن يكون هنالك في المقابل قدر كبير من الشفافية والرقابة البرلمانية والإعلامية وربط كافة الخطوات الاقتصادية بدرجة مشهودة من الوضوح أمام الرأي العام، كي لا ينتقص الإنجاز وتعلو أصوات المشككين التي لن تقف عند مشروعات ربما تصلها شبهات الفساد، بل تصل إلى كافة تفاصيل المشهد الاقتصادي!
m.aburumman@alghad.jo
الغد