قد لا تتجاوز مدة الفيديو الخمسين ثانية ،لكنه ربما يلخص سلوكنا جميعاً في كل شيء، صحيح ان الاثم يختلف باختلاف الفعل لكن المبدأ واحد ..انتشر هذا المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية بشكل كبير في اليومين الماضيين ،و بإمكان القارىء أن يبحث عبر «اليويتوب» تحت هذا العنوان: «سارق يدخل صيدلية ويقبل مصحف ويسرق خزانة» ليشاهد ما شاهدته من سلوك متناقض..
الساعة في كاميرا المراقبة تشير الى 11:59 .. فجأة يكسر شاب واجهة الصيدلية الأمامية، يدخل حبواً من بين شظايا الزجاج ثم يتوجه الى صندوق المحل المربوط بشاشة اليكترونية.. يحاول ان يزيل ما فوق الصندوق من أغراض فيجد «المصحف الشريف» على الخزنة ، يرفعه يقبله باحترام ويضعه على جبهته ، ثم يسحب الخزنة ويقطع سلك التوصيل ويهرب بالصندوق من ذات الكوة الزجاجية المكسورة...
تصرف شاب الصيدلية يبرهن انه يحترم جدا «المصحف الورق» ويوقّره ويقدّسه رغم ان أحداً لا يراه غير الكاميرا التي ترصد «سرقته»..لكنه في نفس الوقت لا يحترم المكتوب على ورق المصحف ولا تعنيه آيات النهي عن السرقة وأكل الحرام... مفارقة مضحكة مبكية حقاً... وستكون مضحكة مبكية أكثر... اذا ما تم القبض عليه ... ولجأ للحلفان على ذات المصحف الذي قبّله أنه لم يقم بالفعل المصور..
أنا لم استغرب من تصرف الشاب... نحن جميعاً ، نحترم «الورق» ونخشى «خطوطه وصفرة ألوانه»...لكننا نخالف ما كتب عليه من فضائل وآيات ومناهج الاستقامة ...نحن جميعاً نقبل المصحف ونضعه فوق رؤوسنا كلما نقلناه من مكان الى مكان، لكننا لا نكلف أنفسنا أن نقرأ ما فيه لننتقل من مكان الجهل الى مكان العلم ومن مكان الظلم الى مكان العدالة..
ما جرى في الصيدلية...يجري الآن في دول...في سوريا والعراق وفي بيروت و فرنسا ومالي وفي كل مكان.. الكل يحكم باسم الدين ويقتل باسم الدين ويقبل المصحف أو «الانجيل» ويضعه على جبينه ثم يمضي ليكمل باقي الجريمة... اللص والمصحف «نهج جديد» صرنا نشاهده في السياسة والعسكرة والاقتصاد والعالم الجديد...نقبل ثم نقتل...أو نظفر بالغنيمة...
تذكروا ان هناك كاميرا مراقبة معلقة في السماء..وكل أفعالنا مصورة...
الرأي