بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حدث انفراج دولي كانت فرصة لاعادة علاقات قديمة، او خلق صداقات جديدة، وكان الشهيد المؤسس عبدالله بن الحسين، اول من تنبه الى اغتنام هذه الفرصة، فقام بزيارة لتركيا بعد اربعة عقود من ثورة العرب على العثمانيين، وطردهم من المنطقة، فعند الشهيد المؤسس لا توجد عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، وكانت زيارة مصالحة فهمها الرئيس اينونو فكان اهتمامه بها عظيما، فالاتراك ثاروا بعدنا على نظام السلطنة المتعفن، وعلى الجماعات الفاشية التي انقلبت على السلاطين وحكمت بدلاً منهم.
بعد تركيا، زار الشهيد المؤسس اسبانيا، التي كانت بحاجة الى صديق، فنظام الجنرال فرانكو كان متهماً بالنازية، مع انه لم يشارك في الحرب، وبالديكتاتورية وكان هذا شأن داخلي لا علاقة للزائر الكريم به.
وكان الجنرال يرعى الامير دون خوان كارلوس حتى بلغ أشده فجعل منه ملكا.. واستمراراً لعائلة آبائه واجداده، وحين رحل الرجل فتح الملك الشاب أبواب بلده للديمقراطية الاوروبية، واستمرت العلاقات الخاصة مع حفيد عبدالله بن الحسين، فكانت صداقة عائلية ممتدة مع الجيل الثالث بين عبدالله الثاني والملك فيلبي.
وهو تقليد حافظ الاردن عليه في علاقاته العربية والدولية، ولعل زيارة الراحل الحسين لقبر ابن عمه فيصل الثاني، صريع انقلاب 14 تموز، وتأثيره على قرار حكومة العراق باعادة تمثال باني دولة العراق فيصل الأول الى شوارع وميادين بغداد، هو هذا النمط الرفيع النظيف من العلاقات القومية والدولية.
وقام الشهيد المؤسس بأول زيارة لايران، فالذين يعرفونه جيداً يعرفون ان اسلام الرجل كان يدفعه الى مد حبل الأخوّة بين دول المسلمين، وقد ورث الحسين رحمه الله هذه الصداقة، ولعل الذين كانوا يشتمون ليل نهار الشاه رضى بهلوي، يخجلون من تصفيقهم لثورة الخميني، فالشاه لم يشن حرباً على العراق استمرت ثماني سنوات، ولم يجعل من شيعة العراق حزباً سياسياً يهلك العراق وعزته، ويمدّ ظله الأسود على سوريا ولبنان والبحرين واليمن.
ليس قناعة باسلام التغيير والوحدة، وانما بالهيمنة على شعوب عربية حرة، مسلمة وخلق فتن بين طوائفها وحقد بين اعراقها .
لقد بنى الاردن حداثات لم تجلب الا الخير له ولأشقائه، وها هو عبدالله الثاني يجعل من دول العالم المتمدنة المؤثرة ساحاً من التقدير والصداقة لقادة الدول، ولشعب الاردن، فمن غيره استطاع ان يبني اصدقاء للاجئين السوريين، يمدون لهم يد الخير: مأوى ومدرسة ومستشفى وماء وكهرباء؟ ومن غيره يمد يد العون لشعب غزة وفلسطين بالمستشفيات والاغاثة وبناء بيوت تقي الناس الحر والبرد بعد ان فشلت الأمة في اعادة اعمار غزة؟ .
اصدقاء الاردن تحولوا الى اصدقاء للعرب ولقضاياهم، ونحن فخورون بأصدقائنا، وحين كنا نسمع الملك كارلوس يخاطب الحسين:/ يا اخي كنا نعرف ان علاقة الرجلين ليست سياسية انتهازية، وهذا ابنه يستقبل عبدالله الثاني بحرارة ومحبة غامرة ، فمحبة الاسرة والاردن صار ارثاً اسبانياً نفخر به ونعتز.
الرأي