لكي لا نتفاجأ بهذا السيناريو الخطير .. ؟!
حسين الرواشدة
22-11-2015 02:13 AM
فيما صّوت مجلس الأمن الدولي امس الاول على قراربالاجماع (رقم 2249 ) دعا فيه الدول الاعضاء إلى القيام بكل ما في وسعها، لمضاعفة وتنسيق جهودها لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي ترتكبها عصابة داعش تحديدا، وفيما بدأ العالم يشعر بالفزع من العمليات الارهابية التي قامت بها داعش ومن امتدادها جغرافيا وديموغرافيا (اكثر من 5 عمليات في غضون شهر واحد)، يبدو السؤال الذي تتداوله اوساط سياسية واعلامية غربية حول مستقبل داعش سؤالا مشروعا وخطيرا في آن واحد.
عنوان المداولات التي جرت كان “مستقبل الشرق الاوسط” والمشاركون فيها تراوحوا بين سياسيين وامنيين وصحفيين، وداعش كانت محورا لهذه المداولات، خذ مثلا المفاجأة التي فجرها رئيس المخابرات الفرنسية في محاضرة له بحامعة جورج واشنطن حين قال : “ان الشرق الأوسط الذى نعرفه انتهى إلى غير رجعة ، فدول مثل العراق وسوريا لن تستعيد أبداً حدودها السابقة، والمنطقة سوف تستقرّ فى المستقبل، ولكن وفقَ حدودٍ جديدة ، غير الحدود السابقة”.
تصريحات المسؤول الامني الفرنسي كانت واضحة بما يكفي لفهم خريطة الشرق الاوسط الجديد الذي يمكن ان تضم “دولا” جديدة، وتختفي منها دول اخرى كانت قائمة، لكن ماذا عن موقع داعش في هذه الخارطة ، هل ستصبح “باقية” “وتتمدد” كما تقول هي، ام انها “ستختفي“ و“تتبدد”.. كما يتمنى العالم علنا على الاقل؟
الاجابة يمكن ان نستخلصها من السؤال الذي تكرر بشكل آخرفي اوساط غربية متعددة : هل تعتبر داعش دولة ثورية ؟ وهل يمكن ان تحقق الاعتراف بها كدولة على مساحة الاراضي التي تحتلها في سوريا والعراق ؟ ثم ماذا لو أصبحت عضواً فى الأمم المتحدة..؟..
دعونا نستعرض جانبا من هذه النقاشات ، ليس من اجل الترويج للفكرة وانما من اجل ان نعرف اين نضع اقدامنا وكيف نرتّب خيارتنا ، والاهم من ذلك لكي نفهم ما يدور حولنا ( خاصة ما تفكر به الدول الكبرى)، وفيما اذا كان ما حدث في الاسابيع الماضية من تفجيرات جاء في سياق مخطط له سلفا ام انه مجرد “جنون” تمارسه داعش وحدها ، ثم لكي لا نتفاجأ بهذا السيناريو الخطير الذي يبدو ان ثمة من يفكر به بشكل او باخر..؟!
في (اكتوبر 2015م ) كتب الباحث في الشؤون الدولية في جامعة هارفارد(ستفين وولت) في دورية الشؤون الخارجية الامريكية القريبة من صناعة القرار في الادارة الامريكية مقالة مفصلة حول الموضوع انتهى فيها الى ان داعش ليست المثال الوحيد في التاريخ المعاصر التي تعتمد الوحشية والارهاب لتحقيق الاعتراف الدولي بها ، فهناك الكثير من الامثله على جماعات ثورية بنت دول وحققت الاعتراف بها عالميا ، (ضرب 49 مثالا من الأمثلة) منها الثورة البلشفية التي اندلعت عام 1917 فى روسيا، ولم تعترف أمريكا بالنظام الجديد إلاّ عام 1933، الولايات المتحدة ايضا لم تعترف بالنظام الجديد فى الصين إلا عام 1979،أى بعد (30) عاماً من بدايته عام 1949، هكذا يقول الكاتب ثم يستخلص ما يلي :” التاريخ يؤكد لنا أن ارتكاب الفظائع الجماعية ليس عائقًا أمام النجاح في المستقبل”.
مجلة الفورين بوليس ( 21/8/2015) نشرت مقالا ايضا في السياق ذاته(عنوانه :دولة بالحديد والدم) ،استرجعت فيه الكاتبة روزا بروكس أستاذة القانون في جامعة جورج تاون تاريخا طويلا من الارهاب الذي مارسته الدول والثورات في العالم ، وقد جاء فيه : خلال “عهد الإرهاب” الذي تبع الثورة الفرنسية، قطعت الحكومة الثورية الفرنسية علنًا رؤوس ما يقدر بنحو 30 إلى 40 ألف شخص، باسم الحرية والمساواة والأخوة.
وفي وقت مبكر من 1790، قتل ما لا يقل عن 150 ألف فرنسي آخر، وأحرقوا حتى الموت، وقطعوا لأجزاء، أو أغرقوا عمدًا في منطقة فيندي الفرنسية. وقيل إن الجنرال الفرنسي، فرانسوا جوزيف فيسترمان، كتب بعد واحدة من الحملات الوحشية جدًا: “لقد سحقت الأطفال تحت حوافر الخيول. لقد ذبحت النساء اللواتي، على الأقل بالنسبة لهؤلاء، لن يلدن المزيد من اللصوص، لقد أبدت الجميع؛ وزرعت الطرق بالجثث”، ثم يضيف : بين عامي 1861 و1865، حارب مئات الآلاف من الأمريكيين من أجل “حق” استعباد 4 ملايين من الأمريكيين الآخرين تقريبًا، وتم قتل مئات الآلاف قبل أن يتم حل المشكلة، وهو ما ترك الحكومة المركزية الأمريكية أقوى من أي وقت مضى، يمكن ان نضيف هنا ما فعلته الثورة البلشفية والايرانية وما حدث في كوبا وثورة كاسترو ،ومع ثورة غيفار في كمبوديا..الخ.
ينتهي المقال الى التنبيه الى ان عدم وضع إجراءات الدولة الإسلامية في سياق تاريخي قد يسمح لنا ( تقصد امريكا)بالحفاظ على الوهم المريح، ولكن الكاذب، الذي يقول إن الدولة الإسلامية هي مجرد مجموعة “مجنونة”، أو كما قال الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في عام 2014، “ليس لديها رؤية غير الذبح”، وفي عام 2015، بأنها “لا تستطيع أبدًا الفوز (بأي شخص) من خلال أفكارها أو أيديولوجيتها، لأنها لا تقدم شيئًا منها على الإطلاق”.
المقالان ( وغيرهما من الدراسات والتصريحات التي تتبنى فكرة “تغيير” خرائط الشرق الاوسط ) يروجان- كما يبدو - لقضية واحدة وهي : ان داعش ليست الوحيدة التي مارست الارهاب في التاريخ ، وهي تدرك ذلك وتتعمده ، وقد تصل في مرحلة ما الى "التفاهم" او التفاوض مع العالم حول سلوكياتها، او ان العالم ربما يتعب من مواجهتها عسكريا ، وبالتالي يمكن في لحظة ما ان يعتبرها “حركة ثورية.. متطرفة” لكنها فى النهاية يمكن ان تندمج فى النظام الدولى، ويمكن ان يقبل بها المجتمع الدولي ، كما قبل المفاوضات مع قادة طالبان مثلا ، اويمكن ان يصمت عليها على الاقل ( احتواؤها مثلا)، وقد يحتاج ذلك الى وقت( 10-15 عاما)، لكن هذا السيناريو ليس مستحيلا كما يعتقد البعض وان كان حتى الان مرفوضا بقوة.
ليس لدي اي تعليق ، لكن ارجو ان لا نعتبر ما قيل نوعا من الثرثرة او المزاح “الدولي” ، فمنطقتنا ما زالت مفتوحة امام ما لا يمكن ان نتصوره من الكوارث والمفاجآت ، وبالتالي لا بد ان ننتبه ونضع في حساباتنا كل الخيارات الممكنة وحتى المستحيلة ايضا.
الدستور