رؤية الملك للتطرف والشباب في الأردن والحلقة المفقودة
سامي المعايطة
21-11-2015 03:48 PM
تقوم جدلية التطرف والارهاب وعدم قبول الآخر والفكر التنويري وفرضيات التعامل مع الفكر المتطرف من خلال رؤية نظرية لا تطبق على أرض الواقع ينادي بها أغلب المسؤوليين والمفكرين والارتكاز في التعامل مع تحدي التطرف والإرهاب والعنف والمخدرات على المدرسة الأمنية أو المدرسة الإصلاحية المتكاملة، ومما سبق دعونا نتوفق عند سلسلة من الملاحظات التي أصبح المواطن الأردني عموما والشباب خصوصا يعاني من الإحباط بسببها والتي أصبحت قواعد أساسية للوعي في العمل السياسي والعام في الأردن من أهمها
لا شك أن جزءا كبيرا من المشكلة والطريق المسدود نسبياً وحالة فقدان الثقة بين الدولة والمواطن ناتجة عن حزمة من المسؤولين ممن كانوا يوما جزءا فاعلا في السلطة والقائمين على مبادرات إصلاحية أشبعت الناس أحلاما ورفعت سقف توقعاتهم لدرجة أنهم خلقوا حالة من البروبوغاندا الإعلامية مما خلق سقفا من التوقعات والآمال ومن ثم الانسحاب من المشهد لسبب أو لآخر خلق حالة إرتدادية سلبية لدى الشباب امتد أثرها لسنوات وخلق شعورا عاما بأن أصحاب الفكر التنويري هم متنورو سلطة حال خروجهم من السلطة يصبحوا دعاة إحباط وصناعة الصورة السوداوية، وهذا التباين للأسف خلق شعورا بأن التنوير يقوم بوجودهم بالسلطة وأن الدنيا قمرة وربيع وهم موجودين والعكس حال خروجهم.
أما بالنسبة للأردن فقد شهد خلال العقد الماضي سلسلة من محاولات الإصلاح والتغيير سواء كانت من الدولة او من القوى الحية بالمجتمع، بعضها اصابها الاخفاق او التراجع وبعضها اخذ حصته من النجاح، ولكننا بحاجة الى وقفة عندما سبق بعين المحلل والمتابع أن يعترف بوجود إرادة وحراك سياسي سواء كان نابعاً من الدولة أو من المجتمع المدني أو الأحزاب، ولكن السؤال المهم والمفصلي مدى تأثير هذه المبادرات والحراك في ايجاد بيئة حقيقية للعمل السياسي الناضج ومستوى التأثر بها من المجتمع وخصوصا فئة الشباب، وخصوصا في ظل ثورة الإعلام الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وسناب شات وغيرها واستغلال قوى التطرف والإرهاب لهذه الوسائل في تجنيد الشباب وكسب تعاطفهم والقدرات الهائلة لهذه القوى في تسخير هذه الأدوات لخدمة أهدافهم وغياب الجهد المقابل في التصدي لهذا الخطر وهذا هو السؤال المفصلي والمهم والمطروح أمام مختلف القوى السياسية والمجتمعية وتحديدا الشباب للوقوف على الأسباب الحقيقية دون انعكاسها انعكاسا حقيقيا على المجتمع وهنا لنا ان نتبع مسارين إما الوقوف عند كل تجربة كحالة منفصلة والعوائق والتحديات أو أخذ مسار إجمالي لتقييمها وتحديد أسباب تراجعها بحيث يجمعها قواسم مشتركة وإن إختلفت الظروف السياسية والاقليمية او الدولية او الداخلية والأدوات..
والتوجه الصحيح أن التجربة الأردنية يجب أن تعتبر تجربة متكاملة ومتصلة وهو ما تحدث عنه جلالة الملك أخيرا من حتمية التصدي الشمولي لهذه الظاهرة من خلال مواجهة هذا الفكر ووسائله بذات الوسائل ومقابلة الحجة بالحجة والفكر بالفكر والموقف المضلل بالمواقف الحقيقية للإسلام من آفة القتل والدمار عبر تسخير الإمكانيات في استحداث قوى مجتمعية وشابة رسمية ومجتمع مدني في تقديم صورة الإسلام الحقيقي وتعزيز مفاهيم الإنسانية والاعتدال والحوار والقبول بالآخر وتشكيل حالة منظمة للتعامل معها بالإضافة الى حالة الرصد الأمني واستيعاب القوى الإسلامية المعتدلة وتكسير محاور التأزيم معها وخصوصا مع حالة الإنفتاح السياسي والتوجه الإصلاحي للدولة ومعالجة المعيقات والتحديات التي أوصلتنا الى طريق مسدود من الحوار وغياب نضوج التجربة الحزبية والسياسية والشبابية والاجتماعية والاقتصادية ويمكن تلخيصها بوجهة نظري بما يلي:
1- حالة غياب الوعي الفكري والثقافي والسياسي لمفاهيم الديمقراطية والدولة المدنية والتعددية وأحيانا عدم الإيمان بها وهذا ما أصطلح على تسميته بقوى الشد العكسي من داخل الدولة أو من خارجها وحتى مؤسسات المجتمع المدني والاعلامية لتعارض ذلك مع مصالحها او دوافع المناكفة او عدم الايمان بمفاهيم دولة القانون والمؤسسات أو امتلاك أجندات خارجية هادفة .
2- الظروف الاقليمية والجيو سياسية التي شكلت مبررا للكثير لاجهاض اية مبادرة او فكرة إصلاحية نتيجة الحروب والازمات الاقليمية وغيرها
3- حالة انعدام الثقة بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية والحزبية والدولة مما خلق تضاربا وصراعا إنعكس بشكل مباشر على نضوج أي تجربة
4- تجارب المجالس النيابية الضعيفة بالأداء باستثناء 89 مما خلق موقفا سلبيا من تجربة العمل السياسي والبرلماني او مبدا تدوال السلطة وخلق حالة إحباط من المشاركة السياسية بمختلف أشكالها .
5- التشريعات الناظمة للعمل السياسي من قانون انتخاب واحزاب واجتماعات ومطبوعات مما شكل قيدا على نجاح ونضج البيئة الحاضنة للعمل السياسي الناتجة عن عدم إستقرارها والصراع من كل جهة على تفصيلها بما يتفق مع مصالحه الحزبية أو العشائرية أوالمناطقية .
6- غياب المبادرات المجتمعية والحزبية او ما يسمى قوى الضغط او لوبيات ضاغطة وتميز العمل السياسي التطوعي والاجنماعي بالتشتت والتبعثر وغياب البوصلة وتشكيل حالة موحدة لمواجهة الفكر الظلامي .
7- عدم اعطاء الشباب فرصتهم الحقيقية في المشاركة في صنع القرار والتعامل مع تحدياتهم بجدية ووجوب تفعيل قدراتهم وطاقاتهم من خلال تعزيز ودعم الفرق الشبابية ولوبيات ضاغطة منظمة من خلال المؤسسات الشبابية والجامعات والمؤسسات الفكرية والثقافية والحزبية وتوفير وسائل الدعم الممكنة لها من خلال التدريب والتوعية وإكسابهم مهارات الحوار وهنا لا بد من وجود جهة جامعة وتمتلك الإمكانيات والكوادر مثل المجلس الأعلى للشباب بعيدا عن الأسلوب التقليدي بالمحاضرات المكررة وذات التأثير المحدود وكذلك صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية وهيئة شباب كلنا الأردن وجائزة الحسن ومركز الأميرة بسمة للشباب والمبادرات الشبابية والإتحادات الرياضية وتوحيد الجهود الفكرية والسياسية والثقافية لتحقيق الدور المساند لدور الأجهزة الحكومية في محاربة الإرهاب والتطرف وأخذها زمام المبادرة بهذا الموضوع الهام والخطير والذي يشكل بالأساس جزءاً من دورها الحقيقي .
8- تردي الوضع الاقتصادي وتفشي الفقر والبطالة مما اوجد أولوية الظرف الإقتصادي مقدم على اية أجندات أو مبادرات سياسية أخرى.
9- غياب البيئات الحاضنة للعمل الشبابي واستيعاب الشباب المبادر والمبدع في اخذ فرصهم ورعايتهم وتفعيل هذه المؤسسات في تحويلها الى حاضنة للعمل الشبابي والحزبي المنظم والسياسي الواعي لحجم الاخطار المحدقة بالأردن.
10- معالجة تردي العملية التعليمية والاكاديمية داخل المدارس والجامعات مما خلق بيئة تقوم على الهويات الفرعية وغياب الهوية الجامعة وأصبحت مصدرا لتفشي العنف والتطرف الفكري والاجتماعي والديني وغيرها مما انعكس على المجتمع فبدلا من ان تكون الجامعات بيئات تنوير وثقافة اصبحت مصدرا لتصدير العنف والازمات والامراض المجتمعية.
11- معالجة عدم تجديد القيادات السياسية والفكرية سواء لدى الدولة أو القوى الحزبية مما خلق حالة احباط لدى الشباب وفقدانهم الامل بالتغبير من خلال أخذ فرصهم القيادية الى التعبير عن الذات من خلال العنف والتطرف والنزعات الفرعية.
12- لا شك ان الحل يبدأ ببناء حياة حزبية سليمة من خلال قانون انتخابات توافقي وقانون احزاب ديمقراطي وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة ومحاربة الهويات الفرعية وهذا يحتاج الى استراتيجية وطنية شاملة.
13- غياب العدالة في توزيع مكتسبات التنمية وخصوصا في الاطراف وانتشار الفساد المالي والاداري لدى القطاع العام والخاص بمختلف اشكاله
14- غياب المؤسسية والتخطيط الاستراتيحي مما يجعل تقلب السياسات وارتباطها بالاشخاص وغياب البرامجية لدى الحكومات والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
* مدير مركز العمق للدراسات الاستراتيجية