كيف نخرج من هذا التيه .. ؟!
حسين الرواشدة
20-11-2015 02:11 AM
اشعر بالالم حين امرّ على خريطة عالمنا العربي والاسلامي، بما تزدحم به من كوارث، ثم اجترّ عجزي فلا استطيع ان افعل شيئا، وكم تمنيت ان يكون بيد احدنا ما يعين به اسرانا في سجون الاحتلال، او اخواننا الجائعين والمشردين في سوريا، او شعبنا المنكوب في العراق.. او سجناء الرأي القابعين في زنازين بلادنا الواسعة.. او الهاربين من الاستبداد والقمع الذين يشكلون اكثر من ثلثي اعداد المهاجرين في العالم.
ومع ذلك فان هذا العجز الذي اشعر به - و غيري كثيرون - لا يمنعني من رفع صوتي (ويعلم الله انني لا املك غيره) لايقاظ ما تبقى في عالمنا من نخوة وانسانية لرفع الظلم عن كل من يشعر به، واعادة الحقوق لكل من يطالب بها، وردع المستبدين ومحاسبتهم حيثما وجدوا.. والى اي امة او جنسية ينتسبون.
وقد تظل تلك مجرد امنيات في عالم اصبح يفتقر الى الرحمة والشفقة والانسانية - دعك من العدل والاحسان - ، لكن ماذا لو قدمت امتنا التي دخلت في احلك مراحل «التيه» للعالم نموذجها الاخلاقي في التعامل مع الانسان، او ابرزت مثلا واحدا يدحض تهمة «الاستبداد» التي الصقت بها، واعني - هنا - مسألة اعادة الاعتبار لكرامة المواطن فيها، وبالتحديد اطلاق المودعين في سجوننا العربية والاسلامية من الذين لا ذنب لهم سوى انهم يبحثون عن حريتهم او يطالبون بمشاركتهم في القرار...
ان انتقادنا للاخر المستبد، سواء في سجون الاحتلال الاسرائيلي او في السجون التي يقبع فيها الاحرار ،منا ومن غيرنا، في كل مكان ، يجب ان لا يمنعنا من استنكار ما يحدث من قمع واجحاف بحق «اسرى» الرأي والتعبير وضحايا السياسة والخوف الامني الذين تزدحم بهم بعض السجون في بلادنا العربية والاسلامية، واذا كان الامريكي او الاسرائيلي لا يخفي غبطته من «اماتة» او تجريح كرامة الالاف المؤلفة الذين يحشرهم في زنازين معتقلاته، فان من غير المعقول ان نرفع اصواتنا لمطالبته بالرحمة والرأفة قبل ان «نبيض» ما لدينا من سجون.. او نشعر بالشفقة تجاه آخرين يشاركونهم ذات المرارة، دون ان يجرؤ احد على التطوع لاشهار قضيتهم امام العالم، هذا اذا كان اشهارها سيجعله يشعر بالتعاطف معهم او الضغط على حكوماتهم لاطلاق سراحهم او محاكمتهم اذا لزم الامر .
والمسألة لا تتوقف عند مفارقات الاسرى والمسجونين والمطرودين والمهجرين ولا حتى عند الممنوعين من الكلام واليائسين من التغيير والمشاركة والمتنازلين - طوعا او كرها - عن حقوقهم، وانما تتجاوزها الى تلك الحيرة التي يشعر بها المواطن العربي المسلم حين يقلّب خريطة اوطانه، واحدا بعد الاخر، وهي حيرة تتداخل مع التيه الذي تمرّ به الامة، حيث لا تزال القضايا الكبيرة التي تؤرق وجدان الناس غير معترف بها ولا محسومة، ابتداء من قضية الدين والدنيا وانتهاء بقضية الحقوق والكرامات وما بينها من مشكلات القتل على الهوية وباسم الله والدين والطائفة ، وحالة التمزق والجهل والتخلف والاحساس بالدونية والتجهم... الخ، ولو قدّر لاحدنا ان يتوقف امام هذه القضايا الكبيرة لادرك ان كل ما نكتب عنه من ازمات ليست الا اعراضا لمرض واحد، هو هذا الارتباك والضياع الذي يعانيه الواحد منا كما تعانيه امته سواء بسواء .
ترى، كيف يمكن ان نخرج من هذا التيه.. ومتى يتأتى لاحدنا ان يتقدم للعالم بنموذجه الاخلاقي، و بيده التي تحمل شيئا لائقا، ليطالبه بأن يتمثل خطواته وان يدع استكباره ويطلق استبداده، دون ان يحسّ بغصة الانفصام التي تطارده او خطيئة الازدواجية التي تدفعه الى مطالبة العالم بالتعقل والعدالة بدل ازالة العيوب من ذاته التي انهكتها عمليات التجميل الزائفة.
الدستور