تناول جلالة الملك في خطاب العرش السامي قضايا مهمة، والحقّ أن كل موضوع فيه يستحق أن يكون عنوانا لمقال، لكني اخترت قطاع التعليم، وقوة تأثيره على استقرار الوطن وتقدمه، وهو يتقاطع مع الموضوعات الأخرى، بل هو الخيط الذي يمكن أن يؤثر في القضايا الوطنية كافة التي تحدث عنها جلالة الملك في خطابه، فهو مثل خيط الطبيب الذي يجمع به العناصر المهمة التي تحفظ للإنسان حياته بعد إجراء عملية جراحية خطرة، لكن لا بد لهذا الخيط أن يكون ذا نوعية جيدة وبيد جراح ماهر.
التعليم من الأولويات الوطنية التي تهم جميع أفراد المجتمع، فهو يشكل عمودا مهما في عملية الإصلاح الشامل، وهو كذلك أهم المشاريع الاقتصادية التي يجب أن يُسعى إلى تنفيذها للمحافظة على استمرارية ما يدره على الخزينة من عملة صعبة من خلال الاستثمار في الإنسان، وهو الأساس في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام المنشود، والتعليم يخلق فرص عمل منتجة للشباب الأردني، وهو قادر على مواصلة البناء على ما حققه الأردن في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومواكبة آخر التطورات العالمية؛ للحفاظ على التنافسية في توظيف الكفاءات الشابة. والمتعلم تعليما جيدا هو القادر على التصدي لمحاولات تشويه ديننا الحنيف، والقادر على الوقوف في وجه قوى الشر والظلم والإرهاب، وقادر على فهم قيم المواطنة، واحترام الآخر؛ ليبقى الأردن الحصن المنيع، والملاذ الآمن، والبيت المستقر، والوطن النموذج في القوة والتماسك، والعيش المشترك بين جميع أبنائه وبناته، وكلما رفدنا قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، بكفاآت متعلمة كلما بقيت محافظة على كفاءتها وتميزها واقتدارها.
من هنا جاءت دعوة الملك إلى ضرورة إحداث نقلة نوعية وإصلاح جذري في قطاع التعليم، فأكد أن مستقبل الأردن يقوم عليه، ومن هنا لا بد من تطوير هذا القطاع الحيوي، الأهم بالنسبة لمستقبل الأردن.
ومن الخطوات المهمة التي اُتخذت في إصلاح التعليم إيعاز جلالة الملك للحكومة في آذار الماضي بتشكيل اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وتأكيد جلالته في خطابه الأخير على ضرورة تنفيذ توصياتها بعدما يتم التوافق عليها في المؤتمر الذي سيُعقد لهذه الغاية بعد أسابيع، بالإضافة إلى إيلاء تدريب المعلمين أهمية خاصة للنهوض بدورهم الأساسي، وسيكون من أهم التوصيات التي ستركز عليها اللجنة، فالمعلم هو المحور الأهم في العملية التعليمية.
جاء تشكيل اللحنة الوطنية –كما ورد في الرسالة الملكية- للحاجة الملحّة لتطوير منظومة متكاملة واستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لتنمية الموارد البشرية، تؤطر عمل القطاعات المعنية بالتعليم، وتنسجم مع مخرجات الرؤية الاقتصادية للسنوات من «2015-2025»، والخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للتشغيل، والبناء على الجهود والدراسات السابقة، وصولاً إلى تنمية بشرية تمكننا من بناء قدرات أجيال الحاضر والمستقبل، وتسليحهم بأفضل أدوات العلم والمعرفة، وبما يحفز على التميز والابداع؛ ليكون شبابنا مؤهلين وقادرين على المنافسة بكفاءة عالية، ليس على مستوى الوطن فحسب، بل على المستوى الإقليمي والدولي .
أُنيط باللجنة إعداد استراتيجية وطنية ينبثق عنها خطة تنفيذية تعنى بتطوير قطاعات التعليم الأساسي، والتعليم العالي، والتعليم التقني والتدريب المهني تحقيقاً لنقلة نوعية في قطاع التنمية البشرية، وتحديد مجموعة من السياسات الإصلاحية، التي من شأنها أن تدعم عملية التحديث والتطوير.
وأُنيط بها أيضا الإعداد والتحضير لعقد مؤتمر وطني جامع، يتم خلاله إقرار استراتيجية تنمية الموارد البشرية ابتداءً من مرحلة الطفولة المبكرة، وصولاً إلى سوق العمل، وفق برامج وخطط قابلة للتطبيق، ومؤشرات قياس واضحة، وتحديد أولويات الإصلاح، وخيارات التمويل المتاحة وخطوات تطوير آليات سوق العمل، تمهيداً لإقرارها من قبل مجلس الوزراء، لتصبح نهجاً ثابتاً وراسخاً للحكومات المتعاقبة.
كما أُنيط بها متابعة تنفيذ وتقدم سير العمل في الاستراتيجية الوطنية لتنمية المواردالبشرية؛ لضمان تحقيق مستوى متقدم ونوعي لأهداف هذه الاستراتيجية.
بدورها استجابت اللجنة لمضامين رسالة جلالة الملك، وهي تقوم بعمل كبير ومتميز لتحقيق رؤيته، وتسعى اللجنة كذلك لتحقيق التوافق على مقترحاتها بواسطة الاستماع لذوي الاختصاص والخبرة في المحاور والمجالات المختلفة.
رسائل الملك للحكومة والمعنيين في قطاع التعليم خارطة طريق واضحة المعالم لإجراء الإصلاح لهذه القطاع الحيوي الأهم لمستقبل الأردن الذي يحرص عليه الجميع، ولكن للإصلاح كلفته، وهو يحتاج إلى قرارات جريئة، وقد يحتاج إلى جراحة تكون مؤلمة أحيانا، ولكن طالما مصلحة الوطن هي الهدف، فلا بد من تضافر جميع الجهود لإنجاح عملية الإصلاح. أ.د أمل نصير جامعة اليرموك