هناك رواية تحولت الى فيلم سينمائي شهير، يذهب الناس فيها الى البراري والغابات كي يقرأ كل منهم كتابا ويحفظه عن ظهر قلب لأن الكتب جميعها مهددة بالحرق، وقد لا نحتاج الى كثير من الخيال كي نتصور عشرات الالاف من البشر ومن مختلف الحضارات والاديان والثقافات وهم يتدافعون نحو متاحف بلادهم ومراكز الابحاث فيها وكذلك تماثيل الشوارع كي يخبئوها خوفا من التدمير.
وحين شاهدنا ابواب متحف اللوفر وهي مغلقة ذهب بنا الخيال بعيدا فما الذي سينتهي اليه بكل ما يضم من كنوز الفن لو استبيحت قاعاته؟ وما الذي ستنتهي اليه لوحات بيكاسو ودالي وميرو حتى اخر هذه السلالة الخالدة..
هل تتحول الى رماد بعد اشعال النار فيها ام تستخدم لتناول الاطعمة عليها ثم ترمى في القمامة؟ لم يحدث من قبل ان كان هذا الكوكب برمته عرضة للانتهاك والاستباحة بحيث يعاد الانسان رغما عنه الى الكهف، لكنه لو أعيد الى الكهف فإنه سيرسم ايضا، وسيبني ناطحات سحاب لأن هذا هو قدره وامتيازه عن سائر الحيوان.
لقد اطلق مصطلح التجنيد الاجباري في العديد من دول العالم تعبيرا عن الخدمة الالزامية في الجيش، لكن الخطر الذي يهدد الانسانية بكل ما لها من ميراث حضاري الآن هو التجنيد الاختياري او الطوعي ما دامت الحرب هذه المرة هي حرب الحروب كلها، وما دام الجميع مهددين بالعدوّ ذاته، الذي قرّر على ما يبدو ان يكون خياره الأخير شمشونيا.
ومن يكرهون الحياة من المنطقي ان يكرهوا الاحياء ايضا، سواء كانوا بشرا او حيوانا او شجرا، لكنهم لا يدركون بأن الانسان خلال تطوره حوّل جلود اعدائه في الغاب الى حقائب وأحذية وسجن الافاعي في أقفاص كي يتفرج عليها الاطفال ولا تستطيع ان تلدغهم!
حرب من هذا الطراز محسومة النتائج والمهزوم فيها هو عدو الشمس وكل ما هو أخضر على هذه الأرض، وقد شهدت البشرية عبر تاريخها المديد موجات متوحشة سرعان ما تكسّرت لأنها مضادة لنواميس الوجود، ومن انتصروا على كاليغولا ونيرون وسائر هذه السلالة لن يهزمهم ظلام عابر ومن حاولوا اطفاء الشمس احترقوا بنورها ونارها!
الدستور