عن السبي والاسترقاق والبيع!
حلمي الأسمر
17-11-2015 02:14 AM
قبل أيام أصدر مجلس الإفتاء في الأردن فتوى على جانب كبير من الأهمية، لم تأخذ حظها من الاهتمام الإعلامي، رغم خطورتها ودلالتها العميقة، الفتوى جاءت بناء على سؤال من الدكتور عبد الله الشيخ سعيد الكوردي/ رئيس اتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان –العراق، فكان مما جاء فيه: لا يخفى على سماحتكم ما قامت به الفئة الضالة المنحرفة (داعش) وما ارتكبته من جرائم باسم الإسلام بحق الإنسانية، ومن تلك الجرائم (سبي النساء) حيث قام ببيع بنات ونساء المسيحيات والإيزيديات بثمن بخس دراهم معدودة على مرأى ومسمع من الناس، وكان لهذا العمل الإجرامي الأثر السيء في المجتمع الكوردستاني. ونظرا للمكانة الكبيرة التي تحظى بها سماحتكم في العالم الإسلامي، نرى من الضروري التفضل بإصدار (فتوى) تبين تجريم وتحريم السبي، من أجل أن يكون العالم الإسلامي على بصيرة لما حدث لهؤلاء الضحايا من جرائم باسم الإسلام..
كان لافتا أن من رد على هذا التساؤل مجلس الإفتاء الذي يرأسه سماحة الشيخ عبد الكريم خصاونة، وعضوية كل من أحد قضاة محكمة الاستئناف الشرعية يسميه قاضي القضاة: وهو حالياً فضيلة القاضي الدكتور واصف البكري، وأحد أعضاء الهيئة التدريسية في كلية الشريعة في الجامعات الأردنية الرسمية من المتخصصين في الفقه الإسلامي يسميه المفتي العام بالتناوب، وهو حالياً الدكتور محمد القضاة، ومفتي القوات المسلحة الأردنية، وهو حالياً الدكتور يحيى البطوش. ومفتي محافظة العاصمة، وهو حالياً الدكتور محمد الزعبي، وأحد العلماء المختصين في علوم الشريعة الفقهية من وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية يسميه الوزير، وهو حالياً الأستاذ الدكتور هايل عبد الحفيظ. إضافة إلى خمسة من العلماء المختصين في العلوم الشرعية، ومن المستحيل والحالة هذه أن يلتقي هؤلاء الأفاضل على ضلال، معاذ الله، فضلا عن أن المجلس ودائرة الإفتاء بالجملة بعلمائها المفتين، تتمتع باستقلال كامل إداريا وماليا عن كل دوائر الدولة الأردنية، وتصدر فتاواها بما يتفق الشرع الحنيف، ولا تحابي في هذا أحدا.
وبعد أن درس المجلس السؤال، قرر ما يأتي: لم يأت الإسلام بالرق والسبي، بل كان الرق والسبي ظاهرة اجتماعية متفشية في الأمم الأولى لقرون متطاولة، فجاء الإسلام ليتعامل مع واقع صعب ومؤلم، فشرع الأحكام والأعمال التي تقضي على هذه الظاهرة بالتدريج، شيئا فشيئا كما هي حكمة الإسلام في أكثر تشريعاته، لتكون حلولا نافعة، وحاسمة لأصل الفساد ومصدره.
ولهذا جففت الشريعة الإسلامية منابع الرق، وحرمت الاعتداء على الأحرار، وخصصت في مصارف الزكاة ما يعين على إنجاز هذا المقصد العظيم، وجعلت من الأعمال الصالحة التي ينال بها المسلم رضوان الله تعالى، وتهوّن عليه الحساب يوم القيامة (فك رقبة)، قال تعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ) البلد/11 - 13، ومكن كل رقيق من تحرير نفسه بنفسه من خلال نظام «المكاتبة»، وهكذا في تشريعات كثيرة جدا يطول ذكرها نجح الإسلام من خلالها في محاربة هذه الظاهرة، والتدرج في إلغائها بتشريعات حكيمة ودقيقة، وعليه فإن ما تقوم به عصابة داعش الإرهابية - من سبي واسترقاق وبيع – غير جائز، ومناقض تماما لمقاصد الشريعة وأحكامها، خاصة وقد اتفقت المجتمعات والشعوب اليوم على إلغاء هذه الظاهرة، والالتزام بمحاربة جميع أشكالها، فالإسلام لم يأت بالرق والسبي، بل جاء بالعتق والحرية، ولا تكون العبودية المطلقة إلا لله سبحانه وتعالى، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
فتوى مجلس الإفتاء تفتح الطريق للبت في عدد كبير من المتكآت الفقهية التي تستند عليها داعش وغيرها من تنظيمات، وترتكب بمقتضاها أفعالا متوحشة، تنسبها للإسلام، وهذه دعوة للمرجعيات المجتمعية لتوجيه أسئلة مماثلة لمجلس الإفتاء ليبين لنا موقف الإسلام مما يفعله داعش وأمثالها.
الدستور