ودّت لو أن عينيه غابت عنها فترة أطول حتى تتمكن من أن تلمم أشلاء ذكرياتها أمام هيبة حضوره.. وفي الواقع هي لا تطمع بفترة طويلة فالوقت اللازم قد لا يتجاوز العمر كله إلا بمقدار قليل.. فقط.
-نعم ياسيدي, هل لك أن تحقق طلبي؟.. وأنا بدوري سأعد لموعدنا الذي سيكون بعد ذلك قهوة كما تحبها..لم تكن هذه الكلمات هي العبارة التي واجهته بها بعد سنوات من البعد.. فلقد تحدثا كما يتحدث سائر الناس وعرّفها على أبناءه وزوجته التي لم تتوقع أن تحبها وتتقبلها بهذا الشكل.. فكانت كلما خلا لها الجو لحظة أدارت وجهها للزمان وهمست له:
- صدق المتنبي انك أخبث صاحب.
ولم تنته القصة بأن عاد الحبيب إلى الحبيبة ولم تمض الزوجة عمرها باكية على زوجها الذي شدته الذكريات.. فالقصة لم تنته أصلاً.. وبقي الحب الذي جمعهما في مرة هكذا بلا نهاية وبلا عنوان بقيت عيناه هي النور الذي ينير دربها والإرادة التي تشكل نجاحاتها.. فأصبحت كما تمنى لها أن تكون.. وعلى الرغم من أن عينيه غابت خلف تفاصيل حياة ألهته عن روحها التي تتابعه لحظة بلحظة إلا أنه كان يتنسم في كل ربيع يمر شيئاً من ذكراها ويبادر تلك الذكرى ببسمة شوق.. كما أنها هي أيضاً وعلى الرغم من أن أشواقها الذاهبة إليه غابت خلف انشغالها بتفاصيل حياة امتلأت بذكراه إلا أنها كلما أفاقت على لحظة جميلة ذكرت كلماته المعاتبة لها عندما كانت تقلل من مقدار موهبتها.. وقد يصعب على الكلمات التالية أن تحمل جمال ذلك العتاب وتنقله عبر المعاني.. لكنه من السهل علينا أن نقول أنه كان حباً بلا عنوان.. وكلمات امتلأت بالمعاني دون هدف وكان يكفيها من الدنيا أن تكون معان جميلة ونقية.
- يكفيني منك أنني عرفت أنك أحببتني في يوم.. واشتقتني في اليوم التالي.. وتمنيت لو أنا كنا معاً في اليوم الثالث..
هكذا كانت تحدث نفسها.. كلما دعاها الربيع لأن تذكره وهو يرمقها بحب.. فكان ذلك الحب الأول وعلى الرغم من أفوله هو القاعدة لبداية نجاحاتها.. ولا تنكر أنه هو الذي صنعها.. ولم ترض أن تهدم ما بناه ذلك الحبيب خلال سنوات غيابها ولأنها خشيت على نظرات ابنه من أن تنكسر إذا غاب حبيبها عنه.. ردت على حبيبها بعد أن أفاقت من شرودها:
- شو سألتني ياخوي؟
لم يرق له هذا اللقب الذي ضرب بينهما حاجزاً, لكنها بقيت حريصة على أن تحمي سعادته بهذا اللقب الذي أسبلته عليه.. فهي الحبيبة وهي التي تدرك ما فيه صالح الحبيب أكثر منه.
hakaweebent@yahoo.com