نابليون وبوش ونهاية الامبراطورية
د.مهند مبيضين
08-06-2008 03:00 AM
حين فشل نابلوين بونابرت في السيطرة على عكا وقف على ظهر سفينته وقال: "لولا ذاك الرقيق البوشناقي لغيرت العالم" ويقصد بالرقيق احمد باشا الجزار والي عكا، الذي صمد في مواجهة الحصار الطويل الذي ضربه الفرنسيون والذي سمح طول أمده في الفتك بجيش نابليون الذي اضطر للعودة إلى بلاده تحت ضغط الاضطرابات في الجمهورية الفرنسية، وبعد أن فقد الكثير من خيرة أفراد جيشه في غزوته الشهيرة لمصر وبلاد الشام. أملا بتشييد اركان الامبراطورية التي كان يحلم بها.
بين الجندي الفرنسي نابليون بونابرتيه المولود سنة 1769 - والمتوفى 1821م والذي صار من بعد أحد أبرز القادة العسكريين وأهم امبراطور فرنسي، الكثير من الشبه مع راعي البقر جورج دبليو بوش (George Walker Bush).
فبونابرت ولد في جزيرة كورسيكا التي كانت فرنسا قد استولت عليها قبل ولادته بخمسة عشر شهراً، بمعنى أنه من ابناء المستعمرات، أما جورج بوش فهو مستعمر من اصول اوروبية، تربى بمدينة ميدلاند بولاية تكساس التي امتزجت فيها صناعة البترول بثقافة رعاة البقر، والمهاجرين الجدد.
كان نابليون وطنيًا متطرفًا، وصار بوش فيما بعد متدينا متعصبا أيضا، وعندما قامت الثورة في فرنسا جاءت فرصة نابليون في سنة 1793م عندما حاصر الفرنسيون مدينة تولون واستردوها من البريطانيين، وكان نابليون قائداً بارعاً للمدفعية وقد عدل عن نزعاته الوطنية وأصبح مخلصًا. واكتسب احترام الجميع وأصبح قائدا للجيش الفرنسي في إيطاليا وحقق انتصارات كبيرة وحكم أوروبا بأسرها تقريباً.
بوش خلافا لذلك، حياته مليئة بسنوات الضياع، بعد انتقال الأسرة من مدينة ميدلاند إلى هيوستن وفشله في التأهل لاحدى مدارسها ثم اخفق في الالتحاق بجامعة تكساس لدراسة القانون، وكان للفشل المتوالي ان يلجئه للكنيسة، يقول ستيفن مانسفيلد مؤلف كتاب عقيدة جورج دبليو بوش: "إن التغير في شخصية بوش بدأ خلال اجتماع عقد عام 1984 في إحدى كنائس ميدلاند مع القس أرثر بليسيت الذي كان يجوب العالم حاملا الصليب للدعوة إلى المسيحية. وحضر الآلاف من أهالي ميدلاند محاضرة بليسيت، وبعد المحاضرة طلب جورج دبليو لقاء بليسيت. وخلال اللقاء وضح لجورج دبليو أنه غير متأكد من موقفه من المسيحية، ولكنه مع نهاية اللقاء شعر بالرغبة في التوبة وطلب من بليسيت الدعاء" ويضيف مانسفيلد : "وسرعان ما بدأ جورج دبليو في قراءة الإنجيل والصلاة يوميا، وفي المشاركة بحلقة لدراسة الإنجيل مع بعض أصدقائه توقف عن شرب الخمور، وبدأ الجميع يرون تحولا في حياة بوش على نحو أكثر جدية".
في المقابل، مع نابليون حدث له العكس فقد ترقى الرجل بحكم انتمائه الوطني داخل المؤسسة العسكرية، فأرسل إلى مصر بهدف القضاء على تجارة إنكلترا مع الهند، ولكن حملته انتهت بالفشل أمام الأسطول الإنكليزي بقيادة نيلسون في معركة النيل، فعاد إلى فرنسا، ثم أعلن بعدها نفسه مستشارا أول لمدة عشر سنوات ثم لقب بالامبراطور، ودخل الحرب عام 1805م ثانية ضد أعظم ثلاث قوى وهي: بريطانيا والنمسا وروسيا، فنجح في دحر النمسا وروسيا في استرلتين، ثم هزم بروسيا في جينا عام 1806م، وتحدت روسيا حلف نابليون فهاجمها عام 1812، متغلبا على الجيش الروسي، ولكنه عندما دخل موسكو كان أهلها قد دمروها وكان جيشه جائعا تعبا يعاني من برد الشتاء في روسيا، تبين بتحليل أسنان جنوده الذين قتلوا هناك وعددهم 25 ألفا أنهم أصيبوا بمرض التيفوس وحمى الخنادق وهي أمراض تنتقل عن طريق القمل.
بوش وصل إلى موقع الرئاسة في المرة الأولى على إرث والده وبدعم من ستة تجار يملكون شركات كبرى هم: مورجان ستانلي، ميريل لينش، برايس واتر هاوس، يو بي إس، مشروبات كوكاكولا، جولدمان ساكس. وكانت غزوة منهاتن القراءة الأولى التي أنبأ عنها قراء الحظ له. حدث عظيم سيحدث وسيطيل في عمر ولايته، هنا يدق بوش طبول الحرب، ويعلنها على محور الشر، يتجة كما فعل نابليون للشرق، يصل افغانستان للقضاء على القاعدة، وهو بعد مايزال في حربه، بحث بوش عن حلفاء كان منهم رئيس وزراء اسبانيا السابق، ورئيس وزارء بريطانيا بلير وغيرهما ممن خرجوا وسقطوا في الشارع، بوش كذلك الامر تبدو حرب العراق له، مثل حرب موسكو، لكن مع استبدال برد الاخيرة بحر بغداد اللاهب.
احمد باشا الجزار مثّل عقبة امام نابليون، وحسن نصرالله مثّل العقبة امام بوش، أفشل نصرالله كل معسكر الاعتدال في معركة السياسة في لبنان برغم كل الدعم الاميركي للموالاة، خسرت أميركا الكثير من الجنود في العراق وتزاد النعوش عائدة في طائراتها إلى أهالي الجنود، كذلك حصل لجيش نابليون امام برد موسكو فصارت شعبيته في أدنى المستويات، اليوم بسبب حرب العراق وأزمة السوق شعبية بوش في الحضيض، ودولته في مأزق أخلاقي قاده عسكريون كبار يقالون بسبب بيع خاطئ لتايوان، والخطأ مكلف ففرق كبير بين بطاريات صواريخ وبين سلاح نووي.
جاء نابليون إلى الشرق ليقضي على نفوذ بريطانيا، وجاء بوش ليهلك الحرث والنسل للقاعدة ويحد من نفوذ وقوة إيران، بوش طويل القامة يوحي شكله بالغباء التاريخي، ونابليون قصير القامة يوحي منظره بالدهاء، لكنه حين هزم عام 1815ٍٍم، نفي بعدها إلى جزيرة سانت هيلانة حيث مات بسرطان المعدة. ويقال إن محمد علي باشا قاد محاولتين لتهريبه من السجن، فيما بوش حين يخسر موقعه لن ينفى بقدر ما سيعود إلى مزرعته في كروفورد تكساس. وهناك لن يبحث عنه أحد ليفك عزلته، لأن سجله وسجل دولته ممرغ بالوحل، ولأنه أنهى الوجه الأخلاقي للامبراطورية الأميركية.
Mohannad.almubiadin@alghad.jo
الغد