يبدو أن المنطقة التي تعرف بمنطقة الشرق الأوسط أصبحت من أكثر مناطق العالم خطورة، وعدم استقرار، بحيث أصبحت مهدداً حقيقياً للسلم العالمي وسبباً لإثارة مكامن القلق والخوف لكل شعوب العالم، لأنها غدت موطناً للصراعات والمنازعات البينية والحروب الأهلية والطائفية والعرقية، وموطناً للمنازعات الإقليمية وتصادم المصالح الدولية، والتناقض في السياسات العالمية، بل أصبحت من أكثر مناطق العالم جذباً للتطرف والمتطرفين، وأصبحت كذلك موطناً لأسلحة الدمار الشامل.
المشاركون في مؤتمر عمان الأمني التاسع أجمعوا بالأمس على رفع شعار (شرق أوسط خالٍ من لأسلحة الدمار الشامل)، وعند تتبع كلمات المتحدثين نجد أنهم جميعاً ركزوا في حديثهم حول حقيقة استعمال «داعش» لغاز الخردل، وتم التعبير عن المخاوف الدولية من امتلاك القوى المتطرفة لأسلحة غير تقليدية، مما سوف يؤدي إلى تهديد السلم العالمي، كما تم الحديث عن الاتفاق الدولي الذي يهدف إلى ضمان استعمال إيران للطاقة النووية في المجال السلمي، ولم يتم الحديث عن «إسرائيل» التي كانت أول الأطراف التي قامت بامتلاك ترسانة نووية، وامتلاك أسلحة تدمير شامل، مما جعل المنطقة معرضة للتنافس الإقليمي في امتلاك هذا السلاح المدمر. شعوب «الشرق الأوسط» مثل كل شعوب العالم ترغب بالعيش بسلام وأمن واستقرار ورفاه اقتصادي، وتحلم بمنطقة خالية من كل أنواع الخطورة، وإذا أرادت القوى العالمية والدولية والأطراف الإقليمية أن تقدم المساعدة في هذا المجال، فهناك عدد من الخطوات الأساسية الضرورية التي تشكل أولوية لدى كل الأقطار العربية والإسلامية في هذه المنطقة، بحيث تشكل المدخل الوحيد نحو تحقيق النجاح لتحقيق هذا الهدف النبيل، وما يتفرع عنه من أهداف أخرى تحظى بالتوافق والإجماع.
أول خطوة في هذا المضمار ضرورة الاتفاق على شعار: (شرق أوسط خالٍ من الاحتلال)، الذي يعني بوضوح إنهاء كل أشكال الاحتلال، ووقف أي اعتداء من أي شعب على شعب آخر، وإعطاء كل الشعوب حق تقرير المصير في أرضها وأوطانها وديارها، حيث يمتنع عقلاً أن نهدر الوقت والجهود في محاولة تخليص المنطقة من الخطر، ونحن نغض الطرف عن احتلال واضح وصريح باعتراف كل دول العالم، وقد مضى عليه ما يزيد على نصف قرن من الزمان. الخطوة الثانية : (نحو شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل)، بحيث يكون شعار حقيقي وجدي، يبدأ بتجريد «إسرائيل أولاً من هذه الترسانة ثم بعد ذلك التوجه نحو إيران وغيرها من الدول التي تملك أو تسعى لامتلاكه، ولن تكون هذه الخطوة قابلة للتحقيق ونحن نمارس سياسة (محمد يرث، ومحمد لا يرث)، فهذا محض هراء وضحك على ذقون الشعوب الواعية والمنكوبة.
الحقيقة الثالثة : (نحو شرق أوسط خالٍ من الاستبداد والفساد) حيث أنه لا يمكن التقدم خطوة واحدة في تحقيق الأمن والسلام المطلوب في المنطقة؛ في ظل التواطؤ مع أنظمة التسلط والاستبداد، وفي ظل الأنظمة الحاكمة التي جاءت بانقلابات عسكرية، ولا تحظى بسند شعبي حقيقي. الخطوة الرابعة : (نحو شرق أوسط خالٍ من التطرف)، إذا تم النجاح في إزالة كل أنواع الاحتلال، وإزالة كل أنواع أسلحة التدمير الشامل، وإزالة الخطر المتمثل بالاستبداد والفساد، سوف تكون الخطوة الرابعة ثمرة مؤكدة، وفي منتهى التدرج المنطقي، وأما القفز إلى الخطوة الرابعة دون المرور بالخطوات السابقة الضرورية فسوف ننتظر سنوات طويلة وعقود متتالية، ونحتاج الى إنفاق مئات المليارات الأخرى من الدولارات، وإبادة شعوب، وزيادة عدد اللاجئين وزيادة مساحات الفقر والتهميش التي سوف تؤدي حتماً إلى مزيد من التطرف ومزيد من العنف ومزيد من الدماء ومزيد من الأخطار التي تهدد السلم العالمي.
الدستور