نلتقي في الرياض (العرب والجنوب أميركيين) في قمة المصالح المشتركة الكثيرة، وننسى نحن أكثر من عشرة ملايين لبناني وسوري وفلسطيني وأردني، هاجروا في مطلع القرن الماضي هرباً من الظلم التركي، والجوع والفوضى والخوف. واستمرت الهجرة في مطلع هذا القرن للأسباب ذاتها.
وقد استطاع أبناء واحفاد هذه الملايين أن يكونوا شيئاً مهماً في حياة أميركا اللاتينية، وصار بعضهم رؤساء جمهورية، ووزراء ونواب في مجالسها المنتخبة. ومع أن وزارتي خارجية في لبنان والأردن اسمها وزارة الخارجية والمغتربين إلا أننا فشلنا في ايجاد لو رابط أوهى من خيط العنكبوت بيننا وبينهم. وبقوا هم يعزمون السفير والقنصل، ونحن نحتفي بمنعم رئيس الارجنتين حين يزور وطنهم.. وذلك بالدعوات الطبائخية وبأغاني الميجانا والعتابا على كأس عرق.
والدي كان «جلاّب غنم» يأخذ الخراف من مادبا إلى القدس مشياً، فقد كان يوفّر الحمار لحمل متطلب الراعي. وحين داهمته ثلجة على الطريق باع النصف الباقي من خرافه في القدس، واشترى بثمنها تذكرة الى اميركا، اي اميركا؟ ابي لم يكن يعرف، وركب باخرته من يافا ونزل في مرسيليا وركب القطار منها الى بوردو حيث استقل باخرة اكبر، وبعد ايام طويلة التقى اثناءها بابن عمه في ميناء بهاييتي فأخذ عنوانه، وفي مدينة ما دولة ما قالوا له: انزل، انت في اميركا، ونزل «جلاّب الغنم» في مدينة يقول انها ليست اكبر من الكرك، وهناك التقى بفلسطينيين من بيت لحم، وعمل عندهم، واستقبل حين جاء ابن عمه الى هندوراس، وبعد تسع سنوات عادا بعدها الى الوطن ومعهما آلاف الدنانير.
عاد القليل الى الوطن وبقي ملايين، اختلطت لديهم صورة الوطن بالجوع والفقر، ولم يتعلم ابناؤهم لغة اهلهم، كان اسمهم: توركو، وهي المعرّة التي ادت الى هجرتهم.
في اوروبا تتوقع حكوماتها وصول ثلاثة ملايين لاجئ خلال عام 1916، وهناك الآن 700 الف من السوريين والعراقيين واللبنانيين وهم الاكثر في جمع هائل من الأفغان والإيرانيين وغيرهم من مسعدي المسلمين!!. كم يبقى هؤلاء في بلاد الغربة؟. هل يعود منهم أحد؟ وأين يعودون؟؟. الى بلد مدمر، وأهل جوع وفقر؟؟. أيعودون إلى مدارس وجامعات ومزارع ومصانع بقيت في الذاكرة بدل أن تكون على الأرض؟!.
.. ربما بعد قرن ستكون هناك قمة أوروبية – أميركية – عربية في اربيل تدرس المصالح المشتركة الكثيرة ويكون السوريون والعراقيون واللبنانيون والمصريون ضاعوا هناك، ونسيناهم، ونسي أبناؤهم لغة أهلهم. فأنا لي أحفاد لا يتكلمون لغتي في ألمانيا.. ولم يحدث أنهم زاروا وطن جدهم أو فكروا بالزيارة..
الرأي