جاحد وناكر للجميل من لا يقر بالدور الايجابي لجماعة الاخوان المسلمين، منذ تأسيسها عام 1946م حتى يومنا هذا.
فلم يعرف عن الجماعة انها تآمرت على الدولة او سمحت لنفسها ان تكون اداة بيد قوى خارجية تعبث في الامن الوطني، بل كانت على الدوام، سندا للحكم في محطات ومفاصل هامة من التوترات الداخلية والخارجية.
ووقفت احيانا في الخندق المقابل او على الحياد في مواجهة تحركات شعبية محلية لاسباب معيشية او ديمقراطية او وطنية.
ولا ينكرن احد الخدمات الاجتماعية والدعوية والصحية والتعليمية التي قامت وتقوم بها الجماعة ومؤسساتها. كما ويشهد للجماعة حضورها السياسي والبرلماني والنقابي والشعبي وتزعمها لتيار المعارضة العقائدية.
انها بحق ركن اساسي من اركان الحركة السياسية والاجتماعية في الاردن, واحد اهم ألوان طيف التعددية السياسية والفكرية والممثل الشرعي لتيار الاسلام السياسي الذي لا تكتمل التعددية بدونه.
كل هذا الذي قلت ليس موضوع النقاش والحوار الذي بدأ تحت قبة البرلمان وتواصل من خلال وسائل الاعلام على اختلافها.
القضية المطروحة الان للجدل والتوافق والبرلمان يناقش قانون الجمعيات الخيرية الجديد, هي: هل جماعة الاخوان المسلمين، في الاردن، جمعية خيرية ام ماذا؟ وما هو القانون الذي تستند اليه في عملها.
هذا هو السؤال المسكوت عنه! ولم يسمع له جواب؟!
هم يقولون ان اهدافهم دعوية وسياسية وخيرية واجتماعية، وان "الجماعة" تأسست بقرار من مجلس الوزراء عام 1946م، وحظوا بدعم من كل ملوك الاردن.
وهذا صحيح، لكن الصحيح ايضا، ان كل الجمعيات والمؤسسات التي تأسست قبل الاستقلال او بعده منذ عام 1946م حتى اليوم، وفقت اوضاعها وفق القوانين التي شرعتها الدولة، الا "الجماعة" فلم تفعل ذلك, بسبب الرعاية السياسية الخاصة التي حظيت بها, مكافأة لدورها السياسي المعلوم. ولا اعتراض لنا على دورها السياسي وتحالفاتها السياسي والطبقية، فهذا حق لها.
لكن ما هو ليس من حقوق الجماعة ان تقاوم بعناد توفيق اوضاعها وفق منظومة القوانين الاردنية المعمول بها, والتي لا تسمح بالجمع والخلط بين كل الاهداف والانشطة الدينية والسياسية والخيرية والاجتماعية التي تعمل "الجماعة" من اجلها.
فلكل نشاط آلية وقوانين تنظمه وترعاه. اما ان تتمسك "الجماعة" بما تسميه بالحقوق المكتسبة, فهذا المنطق التبريري غير مقبول ويتعارض مع اسس وقواعد النظام الديمقراطي الذي يقوم على سيادة القانون على الجميع, والقانون وحده من يحدد ماهية الحقوق المكتسبة ان وجدت ومدى مشروعيتها.
ونذكر السادة المحترمين القائمين على "الجماعة" بأن الدعوة المحقة على ان تكون الحكومة وحدها صاحبة الولاية العامة على كل مرافق الدولة, ورفض منطق حكومات الظل, لا يستقيم مع الوضع "فوق القانوني" الذي تضع "الجماعة" نفسها فيه, وان الدعوة لسيادة القانون تعني الاخرين ولا تعني "الجماعة".
مطالبتنا باخضاع جماعة الاخوان المسلمين لسيادة القانون ومظلته, ليست دعوة للمناكفة او للتحريض او للتناغم مع دعاة الاقصاء. انها دعوة ديمقراطية لاسباغ المشروعية على كل الاعمال والانشطة التي تقام على الارض الاردنية, وحق الدولة والمجتمع بمراقبتها واخضاعها للمساءلة القانونية ولمعايير النزاهة والشفافية.
فبأي حق تريد "جماعة" ان تمارس عملا سياسيا بالواسطة او ببدعة "الذراع السياسي"، وهي، الجماعة، غير خاضعة للرقابة والمساءلة القانونية.
فالدولة لا تتطلع او تشرف على ميزانيتها المالية او حساباتها, ولا تحضر مؤتمراتها وبعض اشكال العضوية فيها سرية كما ينص على ذلك نظامها الداخلي والعلاقة مع الذراع السياسي: حزب جبهة العمل الاسلامي, علاقة مبهمة لا تستند الى سند قانوني, يمكن الاحتكام اليه او حتى القياس عليه.
دعوتي لقوننة عمل "الجماعة" ودمجها بمنظومة القوانين الاردنية, ليست دعوة اقصائية, كما يظن البعض او بسبب الخلافات السياسية المشروعة, انها دعوة لعقلنة وترشيد العمل السياسي الاردن, وفتح افاق جديدة امامه, تتخطى جواجز التذرع بالاختراقات الخارجية وخرق الدستور والقانون وهواجس "الدولة داخل دولة" ونظرية "القضم والهضم".
دعوتي تنطلق من حرص شديد على التعددية السياسية والفكرية وحق جميع التيارات السياسية بالتنافس الحر الشريف, ومن مركز قانوني واحد يمنح نفس الحقوق ويلزم بنفس الواجبات, دون محاباة او امتيازات او مجاملات على حساب القانون والمصلحة العامة.
نريد مظلة قانونية لعمل جماعة الاخوان المسلمين حتى لو كان قانونا خاصا.
المهم ان لا تكون هناك جماعة, مهما لبست من لبوس وادعت من طهارة ونبل في الاهداف والنوايا, بلا مظلة قانونية تشرعن عملها.
الغد.