باحثون يدعون لدول مدنية حضارية
10-11-2015 08:57 PM
** دعوات لدمج الاخر والتعامل معه كمكون في المجتمع وليس اقلية
عمون - دعا باحثون وأساتذة فكر وأجتماع أردنيين وعرب لنبذ المذهبية والجهوية وتعزيز مفهوم المواطنة وحرية الراي والفكر والمعتقد، والذهاب الى الدولة المدنية العلمانية الجامعة التي تضمن بين جوانبها كل مكومات المجتمع.
وشددوا على اهمية الذهاب لبناء فكر تنويري حداثي مضاد يتخذ من قيم حقوق الانسان سلاحا يواجه كل الاسلحة الاخرى، ويؤسس لاوطان عربية تحترم مواطنيها وتفرض المساواة فيما بينهم وتحتضن التنوع وتصبح التعددية فيه مصدر قوة لا ضعف او تفكك وبناء الجسور لا المتاريس.
واستعرض باحثون جوانب قانونية يتوجب تغييرها والتعامل معها لتعزيز مفهوم الدولة المدنية العصرية التي يتوجب الذهاب اليها ابرزها القبول بالاخر والعيش معه على مبدأ المساواة وليس على مبدأ الذمة، وتعديل قوانين ذات علاقة بتلك المفاهيم.
جاء ذاك في أوراق عمل قدموها في اليوم الاخير لمؤتمر هجرة المكونات الدينية والاثنية في المنطقة الذي ينظمه مركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية والمركز الكاثوليكي للاعلام، والذي رعا افتتاحه امس رئيس مجلس الاعيان فيصل الفايز.
وفي الجلسة الاولى للمؤتمر التي ادارتها النائب ريم ابو دلبوح قدمت الناشطة اللبنانية رلى أيليا ورقة عمل بعنوان حقوق الاقليات في التشريع فدعت النخب العربية كافة لقول كلمة جريئة بغية تفعيل المعاهدات العربية والدولية والقوانين المحلية التي تضمن وتصون حقوق الانسان وايجاد قواسم مشتركة بين مكونات المجتمع المختلفة وترسيخ مفهوم الهوية الوطنية على قاعدة نشر الفكر والمنطق واستخلاص عبر التاريخ في زمن لم يعد فيه للقلم والفكر والعقل مكان واسع.
واشارت ان ما تدعو اليه من المفترض ان يأتي من خلال فكر حداثي يليق بعالم عربي متنوع يعيش فيه مواطنون لا اتباع متساوين امام القانون رغم تنوعهم الديني والثقافي والعرقي وارساء مبدأ المواطنة في العلاقة بين الدولة والمواطنين كما في العلاقة بين الناس انفسهم.
ورات ايليا ان الحل لما يواجهه العالم العربي اليوم من ازمة تغلب الهويات الضيقة على الهوية الوطنية الجامعة لا يكون الا عبر مواجهة القوى الاقصائية والاصوات الظلامية، باعتبار ان تلك القوى تحاول خطف الدين كي يكون في مواجهة التنوع وقمع الرأي الاخر ونبذ العيش المشترك او بالاحرى العيش معا.
وقالت ان هزم تلك الثقافة الاقصائية التي يشهدها عالمنا العربي لن يكون الا من خلال فكر تنويري حداثي مضاد يتخذ من قيم حقوق الانسان سلاحا يواجه كل الاسلحة الاخرى ويؤسس لاوطان عربية تحترم مواطنيها وتفرض المساواة فيما بينهم وتحتضن التنوع وتصبح التعددية فيه مصدر قوة لا ضعف او تفكك وبناء الجسور لا المتاريس.
كما قدم البروفسور الفلسطيني برنارد سابيلا ورقة عمل بعنوان "هل المسيحية نحو الزوال في المشرق العربي؟: هجرة المسيحيين من الدول العربية في العقدين الاخيرين" فقال ان الصراع العربي الإسرائيلي ترك أثره على حركة الفلسطينيين القهرية وتهجيرهم خارج الوطن، فمع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في العام 1948 هجر ما يزيد على الثلاثة أرباع المليون فلسطيني الذين أضحوا لاجئين بين عشية وضحاها، ومن بين الذين عانوا تجربة اللجؤ ما بين 50.000 إلى 60.000 من المسيحيين العرب الذين كانوا اكثر من ثلث السكان المسيحيين في فلسطين في العام 1948، وقال انه كان في مدينة القدس تحديدا من السكان المسيحيين في العام 1944 ما يقرب من 29 الف، فاصبحوا في العام 1961 10 الاف، بينما لا يتجاوزوا اليوم العشرة آلاف بأعلى تقدير.
وتابع قائلا ان الاوضاع السياسية الحالية في فلسطين باتت تؤثر في ازدياد وتيرة الهجرة لدى السكان ككل ولدى المسيحيين بشكل خاص، ورغم ان أرادة الصمود والبقاء قوية لدى غالبية الناس الا ان الاستنتاج العلمي في ما يتعلق والهجرة هو انها تزداد في زمن يتميز بانعدام الاستقرار السياسي والذي تصاحبه شتى انواع المواجهات بين جنود الاحتلال وعامة الشعب.
واختتمت الجلسة الاولى بورقة قدمها الدكتور المحامي يعقوب الفار بعنوان (التمييز على أساس الدين كسبب من أسباب الهجرة الى الخارج) لافتا ان احد اسباب الهجرة الاضهاد الديني وهذا يتلخص في أسباب ثلاث هي تغيير الدين من غير الاسلام الى الاسلام، واخضاع غير المسلم الى احكام الشريعة الاسلامية بحكم القانون، والتمييز المباشر في حكم القانون بين المسلم وغير المسلم واعطاء المسلم حقوق ومزايا افضل من غير المسلم.
ونوه الفار ان القانون الساري في القانون المدني يتضمن بانه يسري على جميع الاردنيين سواء اكانوا مسلمين او مسيحيين منوها ان هذا يجعل بعض القضايا المتعلقة بالمسيحيين تبرز بدون حل ومن تلك القضايا مسائل الارث، حيث يتم التعامل مع الارث وفق الشريعة الاسلامية، كما تبرز مسائل الوصاية التي تسري على الجميع، وكذلك مسائل الولاية حيث نص القانون بان يكون الولاية على القاصر بيد الاب ثم الجد للاب، حيث الغى المشرع ولاية الام على ابنها الصغير بمعنى ان الولاية بيد الذكور فقط.
وقال ان بعض الصعوبات التي يتعرض لها المواطن المسيحي من خلال التمييز في القانون والشعور بالرفض يدفعهم بالتفكير في حالات افضل والبحث عن تشريعات مدنية غير دينية لا تستند الى احكام الدين الاسلامي او المسيحي، لافتا ان نزعة التخلص من القيود الدينية خاصة في مسائل الاحوال الشخصية تتنامى عند الكثيرين، وخاصة ان بعضهم بات يفضل الزواج المدني على الزواج الديني.
وفي الجلسة الثانية التي ادارها النائب السابق الدكتور عودة قواس
قدم الدكتور عامر الحافي ورقة عمل قال فيها ان الفكر الاسلامي في ازمة داخلية وهذا يتجلى بما تقوم به الجماعات التكفيرية، وتفجير قبر النبي يونس من قبل عصابة داعش الارهابية، وما قعلته مع الطائفة الايزيدية في العراق، ووجود فتاوى من شيوخ معروفين تحرم تهنئة الاخر.
واشار ان القرآن الكريم لم يشير في اي اية من اياته الى موضوع الردة في الاسلام مستشهدا ان الرسول في صلح الحديبية وقع على وثيقة تتضمن اعادة من ياتي الى المدنية مسلما.
واعتبر ان كرامة الانسان اهم بكثير من الجفرافيا وبالتالي يتوجب ان يتم المحافظة على كرامة الانسان وان لا يظلم، واذا وقع ظلم عليه سيصبح يفكر بالهجرة من المكان الذي انتقصت فيه كرامته.
وقال ان الاسلام عندما جاء بتشريعات تتعلق بالمرأة جاء به كبداية لفكرة تحرير المراة، وليس كنهاية وكان المؤمل ان يتم تواصل التفكير الاجتهادي، داعيا الى اجتهادات جذرية ان أردنا ان يكون هناك باب للتواصل مع الاخر وقبوله.
واشار الدكتور جمال الشلبي الى بعض الممارسات التي تحمل فكرا داعشيا اقصائيا من قبل المجتمع، وسال لماذا لا يدرس الطلبة في مدارسهم ان الراهب بحيرى المسيحي هو من بشر بالرسول الكريم وان الراهب ورقة بن نوفل هم من احتضنه، وان المسيحي النجاشي هو الذي فتح بلاده للمسلمين الهاربين من ظلم اهل قريش.
واشار ان التغيير بحاجة لاكثر من وقفة او مؤتمر وانه بات لحاجة لقرارات سياسي تؤسس لاحتضان الاخر وتعترف به وتتعامل معه ككيان حقيقي موجود له كل الحقوق والواجبات.
وتحدث الباحث الفلسطيني زياد شليوط عن تحديات المسيحيين العرب في فلسطين التاريخية فقال انه في القرن التاسع عشر: في العام 1894 كان هناك 42871 مسيحياً أو 13.3% من مجموع سكان فلسطين الذي وصل آنذاك إلى 322338 نسمة، ولم يكن يوجد حينذاك أكثر من 40 ألف يهودي أو 9.3%، بينما شكل المسلمون الغالبية العظمى من السكان بنسبة 77.4%، ففي عام 1948 قبل الحرب العربية – الإسرائيلية الأولى وقيام الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، كان هناك 145 ألف مسيحي، أي 7.6% من مجموع السكان الذين وصل عددهم آنذاك إلى 1908724 نسمة، وبقي 34 ألف مسيحي في الكيان الإسرائيلي، بينما تحوّل 60 ألفاً أي 41.3% من المسيحيين الفلسطينيين إلى لاجئين.
ونوه ان نسبة التكاثر الطبيعية بين المسيحيين تبلغ 1% فقط، مقابل 1,7% بين اليهود و2,7% بين المسلمين، وان معدل الولادة لدى المرأة المسيحية هو 2,1% وهو أدنى نسبة، مقابل اليهود 3,0% والمسلمة 3,8% والدرزية 2,5%.
وقال ان المسيحيون العرب تعرضوا في السنوات الأخيرة الى اعتداءات على أكثر من صعيد ومحاولات اختراق لصفوفهم لتفريقهم واضعاف الجماعة المسيحية والحد من تأثيرها ونفوذها، فحضورها وليس عددها هو ما يقلق خصومها، لافتا ان محاولات عدة جرت لتجنيد الشبان المسيحيين أسوة بالدروز، لكنها باءت بالفشل.
وفي نهاية المؤتمر جرى حوار موسع بين الحضور والمحاضرين حيث تم طرح العديد من الاشكاليات التي تواجه المجتمع، واهمية النهوض بالمجتمع ككل بحيث يسود فكر الانسانية بدل فكر الاقصاء ورفض الاخر.
وثمن رئيس مركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية العين بسام حدادين، ومدير المركز الكاثوليكي للاعلام الاب رفعت بدر ما ورد في اوراق العمل، لافتين ان النية تتجه لاصدار مطبوعة تتضمن تلك الارواق والتعامل معها في حوارات سابقة وتقديمها كنقترحات للتطوير والنهوض، كما اشادوا بمعق الحوار الذي تم خلال المؤتمر والفكر الانساني المتقدم والمتحضر الذي قدمه المحاضرين والمشاركين.