لم نقرأ طيلة أيام الفيضان في عمان، كلام جدي يعالج الاسباب ويستخلص النتائج.. فيما عدا تحليل جغرافي – تاريخي – حضري نشره مهندسنا المبدع عمار خماش في عدد الأحد من «الرأي» .. وأظن ان اكثرنا لم يقرأه بما يستحق من العمق، والتشوّف المستقبلي، والعودة عند اللزوم الى فيلادلفيا، الى سبيل الحوريات ونشوء عمان القديمة في وسط تجمع خطوط التصريف لماء المطر بين عبدون وجبل عمان، وبين جبل عمان وجبل اللويبدة، والخط بين اللويبدة والحسين ووادي الحدادة، ثم الوادي الواصل بين مرج الحمام ووادي عبدون.
وينبه المهندس خماش الى نبع رأس العين واهمية حقنه وينابيع وادي السير وناعور .. وأهمية بناء سدود كثيرة وصغيرة مهمتها حقن هذه الينابيع واعادتها الى دورها لارواء عمان، بعد ان فتكنا بواحة الأزرق فأزلناها من الخارطة، وبعد ان فتكنا بعقلنا فصرنا نضخ مياه قناة الملك عبدالله الى ارتفاع 1700 متر، الى زي وما هو أعلى، او نضخ مياه الديسي المحدودة العمر والملأى بالاشعاع!!.
في وقت ما، كنت اعمل في امانة عمان، ولأنني مهووس بالماء طلبت ملف «سر عبدون» الذي ادرنا ظهرنا له دون سبب، مع انه يمكن ان يحجز حوالي خمسة ملايين متر مكعب ويمنع جزءاً من كوارث السيول، ويمكن اقامته، آنذاك، بأقل من مليون دينار، والآن من الصعب العودة الى المشروع لأن الاستملاكات عالية.. بل اسطورية، والفلل والمولات اخذت مكانها في وسطه!!.
ولعل مثل هذا السد سيحقق ينابيع رأس العين وغيرها، ويعيدها الى ما كانت عليه، فعمان كانت مدينة الماء، ولعل مجايلينا يتذكرون بناء البنك العربي وسط شارع فيصل، والينابيع التي تفجرت في الحفرة التي اقيمت فيها «القاصات» وطابق الخدمات وأخذت اشهراً من صب الأسمنت لاغلاقها، واقامة البناء الذي كان باذخاً تلك الأيام! ويتذكر الكهول ينابيع الماء التي كانت تجري من كراج طبلت الى السيل، وكل هذه الشوارع المزفتة واسطح المنازل لم تعد، كما كانت، ارضاً تمتص ماء المطر.. وتجمعه في جيوب الارض ليخرج بشكل ينابيع.
ما تحتاجه عمان، هو فهم طبوغرافيتها، ووديانها وشكل وسط البلد، فقد عرفنا ان الرومان اقاموا جزءاً من سقف السيل عند سبيل الحوريات ليوصل جزأين من المدينة يفصلهما السيل الذي يمر بالرصيفة والزرقاء وينتهي رافداً من روافد نهر الأردن.
في وقت ما كنا نستمع في كولون بالمانيا محاضرة لبروفسور كارل شبيلر، وكان وزير مالية في حكومة الاشتراكيين: كان يقول: يجب ان لا يسمح العالم النامي – اي المتخلف – بأن يصبح عدد سكان مدنه اكثر من 300 الف نسمة، فللمدينة الكبيرة كلفة كبيرة تتساوى فيها الدول الغنية والدول الفقيرة.. ولعل خلق بؤر ادارية حول عمان تكون بمثابة كواكب حول العاصمة، هو اول الحلول، وبهذا تكون عمان الكبرى عكس ذلك، فالتركيز على مادبا او السلط اوقف الهجرة الى عمان ونتمنى ان تصبح صويلح والقويسمة وبدر مدناً لها استقلالها، ان تكون كواكب حول عمان الشمس.
الرأي