بوفاة النائب العراقي، وزعيم حركة المؤتمر الوطني أحمد الجلبي، في بغداد يوم الثلاثاء الماضي عن عمر ناهز الـ70 عاماً يطوى الكثير من أسرار المال والسياسة في المنطقة، أسرار الحرب على العراق، والكذب الأممي الذي مارسته الولايات المتحدة على العالم لتبرير احتلال العراق العام 2003، عُمْرٌ لم يخلُ من مغامرات الجلبي والجرأة على اختلاق الخصوم وبناء المصالح في حدود تتجاوز الأوطان وإن تعارضت معها كانت الأوطان الضحية.
كان الجلبي يجسد كل تناقضات النخب العربية في زمن الانكسار والبحث عن حلم مرتجى، لكنه خلط الخروج من العراق منفياً مع عائلته أواخر الخمسينيات بروح ثائرية ليس من قيادات العراق ورؤسائه وحسب، بل من وطن تركه وقد مات عنه دون أن يبقى فيه أي عنوان لسيادة الأوطان.
ظلّ الجلبي الرجل السياسي والمصرفي والعالم في الرياضيات يبغي وطناً ديمقراطياً، لكنه بيده وأد الحلم حين وضع الطعم لأمريكا بحق بلده وحوله إلى مفعول به بيد إيران، ولم يفكر يوما بأنه بسلوكه أمات بلدا كان قدراً لا ينضب ومن أكل كل العرب،
وفي نظر الكثيرين لم تكن سنوات العراق خلال العقد الماضي إلا نتيجة للعنة الغزو وسلوك الجلبي السياسي والفساد والتدخل الإيراني الذي اعُجب الجلبي كثيراً به، فرهن خياراته بقرارات الملالي في قم وطهران وفي النهاية بيع وطن باكمله.
هو عراب الغزو الأمريكي للعراق 2003، واللاعب الرئيس في دفع وتعجيل التدخل الأميركي في العراق، رجل استطاع اقناع العالم كله بضرورة الحرب على العراق رغبة بالانتقام من صدام حسين الذي كان أكثر جلدا وشجاعة من الجلبي حين تقابلا بعد أسر صدام، حيث أحب الجلبي القصاص من صدام ، كعنوان لعراق بلا صدام عراق تعددي كما زعم، لكل من كان شريكا في عطاء تدمير البلد، لكن ما أطيح به ليس صدام حسين عدو الجلبي بل العراق العظيم.
خلط الجلبي كل حبال السياسة، وأودع تاريخ العائلة التي دخلت العراق بمعية السلطان مراد الرابع العام 1638 هوامش غير لائقة بدورها الوطني القديم، وشتان بين دخولها لبغداد محررة إياها من الغزو الصفوي، وبين زمن دخوله مع المشروع الأمريكي ليعيد هيمنة إيران من جديد على بلده بعد العام 2003.
عائلة الجلبي عائلة محترمة في التاريخ، منها أفذاذ ورجال دولة عملوا مع العائلة المالكة في العراق، كانت العائلة سنية حين دخلت العراق واقامت في الأعظمية بعد عام 1638 ولكنها فيما بعد رحلت للكاظمية وتشيعت، ليس في تاريخها شوائب، بل شاركت في ثورة العشرين وفي بناء العراق، أما احمد الجلبي وإن مات فيمسح تاريخه وحده وليس عائلته.
الدستور