إذا ابـتُليتْ الأمّـة العظيمـة بفساد الحكم، أو تعرضت لكارثة وتدمير، لا تنطوي على نفسها، وتستسلم للضعف والخنوع، بل تتحرّك بعـزمٍ وإرادةٍ، وتعمل بـجـدٍّ واجتـهاد، لتـكـون في مقدمـة الدول قـوّة ومنعـةً. خرجتْ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية من تحـت الرماد، ونهضتْ مستعينةً بكبريائها، واعتزازها بقوميتها.
وتمكنت بإخلاص أبنائها، وبقوة تصميم قادتها، وبإرادة لا تُـقْهـر أنْ تنتقـل خلال فترة قصيرة من دولة مـدمـرةٍ إلى قـوّةٍ عملاقة، وإلى اقتصادٍ قـوي يبعث على الإعجاب والإحترام. ولنا في ماليزيا وفي تركيا أســوة حسنة. فلماذا تتقدم الدول ويتأخر العرب. رغم أن دول البترول العربي تتمتع بـدخل عالٍ ومبهـر؟!، لكن هل تتمتع أيٌّ من الدول العربية باقتصادٍ قوي مبني على الصناعة والزراعة والتجارة؟.
وهل للبحث العلمي مكان في أيٍّ من الدول العربية؟. أسئلة نطرحها لنستخلص منها العبـر، علّنا نتعظ بما فعل الآخرون. وخير ما يبدأ به الإنسان بيته، لماذا فشل الأردن في بناء اقتصاد وطني قوي، ونجح الأخرون؟. يتمتع الأردن بالإمكانات الطبيعية، ويحـظى بكنـز سياحي، وبموقع جغرافي متميز، وباستقرار سياسي،يمكنه من بناء اقتصاد وطني قوي، لكنه لم يفعلْ.
يضع دولة طاهر المصري رئيس الوزراء الأسبق، وأحد أبرز السياسيين الأردنيين، في مقاله المنشور في صحيفة الغد بتاريخ 13 /10/ 2015 بعنوان" التحولات الخطيرة في قيم المجتمع الأردني"، قضية في غاية الأهمية على بساط البحث، والدراسة.
المصري يشير في مقاله بوجود تحولات سلبية خطرة على القيم الأخلاقية التي تحكم السلوكيات الإجتماعية الأردنية. ويحيل ذلك إلى أسباب وعوامل متعددة: مثل المتغيرات الإقليمية، وما أفرزته من هجرات، والعامل السياسي وتعقيدات القضية الفلسطينية، والعامل الإقتصادي، كما يظهر ذلك في ارتفاع معدلات البطالة، واتساع مساحة الفقر، وتدني الناتج المحلي، واعتماد الإقتصاد على المساعدات والقروض الخارجية. بحيث أصبح الإقتصاد الأردني اقتصاداً رعوياً. وكل ذلك أدى إلى تذويب الطبقة الوسطى، وإفراز طبقة جـديـدة على المجتمع الأردني، هي طبقة الـجـيـاع.
وهذا ما أدّى إلى فقدان ثقة المواطن بالسياسات والمسؤولين على حدٍ سواء، وإلى بروز ظاهرة الفساد المالي والسياسي معاً، والترهل الإداري. وهـو ما أفرز الهويات الفرعية، والتعصب، والعنف المجتمعي، وانتشار المخدرات، وبروز ظاهرة الرشوة، والفكـر المتطرف الذي أساء للإسلام وأهله، وأدى إلى تراجع قيم التسامح التي تربى ونشأ عليها الإنسان الأردني .
لقد أصاب سيدنا عمر بن الخطاب عندما قال:" لو كان الفـقـر رجلاً لقتلتـه". فالفقر هو ما يُـودي بالأخلاق والقيم العربية الأصيلة، وقيم الإسلام النبيلة . لكن لـلـحقيقـة والإنصاف لا بد لنا أنْ نشير بأن الأردن نجح في السـياسـة الخارجية، ويحظى بتقدير وإعجاب المجتمع الدولي. فلماذا أخفقنا في الداخل ونجحنا في الخارج. يرجع السبب في ذلك بأن من يـقـود السياسة الخارجية هو الملك عبدالله الثاني بن الحسين.في حين يقود السياسة الداخلية حكومات متعاقبة، فشلت في بناء خطة اقتصادية، تنهض بالأردن، وتضعه في مستوى طموح أبنائه.
عجزت الحكومات الأردنية المتعاقبة عن وضع خطة اقتصادية وسياسية طموحة تبني على مايتمتع به الأردن من استقرار سياسي، وموقع جغرافي متميز،ومواقع سياحية يمكن أنْ تسـتأثـر بالسياحة العالمية، فيما إذا خُـطِّـط لها، ووُضعـت لها الإمكانيات اللازمة.
إنّ الإرادة السياسية لبناء اقتصاد وطني قوي غير متوفـرة، وإذا تـوفّـرت الإرادة السياسية، لا بـدّ أنْ تتوافـر للخطة أسباب النجاح المتمثل بمحاربة الإستـئـثـار بمقدرات الدولة، ومحاربة الفساد بلا هوادة، ورفع مستوى الطبقة الوسطى دون الإصطدام بالأغنياء.
وأن يعتمد الإقتصاد على القطاعين العام والخاص، ليكون لكل منهما مساره، ويرفـد كل منهما الآخر. ولا يتم ذلك إلاّ إذا تمكنّا من بناء دولة القانون القائمة على المواطنة، والمساواة الكاملة بين أبناء المجتمع. وهذا كله يحتاج إلى إعادة النظر بالتعليم المدرسي والجامعي، ما يمكننا من تخريج أجيال تحظى بالعلم والمعرفة، وتُـؤْثـر الوطن على النفس والعشيرة، عنـدئذ تستطيع أن تـقـود المسيرة الإقتصادية والسياسية بهمة واقتـدار. وهو أمـرُ لا يتم إلاّ بقوانين صارمـة تُـعاقـب كل مُـقـصرٍ، ليستقيم الأمـر ، ويكون الإبداع، ويـعي المواطن بأن من العيب أنْ يُـقـصِّـر في خدمة الوطن، ولا يُشارك في دفع العجلة الإقتصادية والسياسية إلـى الأمـام ، ليتمتع أبناؤه وأبناء الوطن بخير السنين القادمة.
وبذلك نصبح مثل بقية الأمم الحية في أوروبا، والولايات المتحدة، والصين، وكما ماليزيا وتركيا أيضاً. إنّ بنـاء خطة إقتصادية واجتماعية أصبحت هـاجس الأردنيين جميعاً، بعد أنْ رأو كيف تقدّمت كل من ماليزيا، وتركيا بسرعةٍ وبقينا نحن نراوح مكاننا، نجتـرُّ أحزاننا، وكل منّا لا يقبل الآخـر. إنا نُـعـوِّل على الملك عبد الله الثاني لأن يبني ويـقـود هـذه الخطة ، كما قـاد السياسة الخارجية بنجاح مبهـر، لنصطفّ إلى جانب الأمـم الحـيـّـة.