كلما زادت الحروب والمشاكل, وكلما زاد التفككك والتقسيم في بلادنا العربية، فان المستفيد الأكبر هو اسرائيل, لأنها ترغب في ان يكون محيطها العربي مفككا وهشا وضعيفا، بشكل يجعلها الدويلة الأكبر والأقوى بين جيرانها.
السبب الثاني: كما ترى صحيفة كريستيان بوست، ان انشغال العرب بالوضع في اليمن وانخراطهم به عسكريا وسياسيا ولوجستيا، يعمل على استنزاف جهودهم وصرف انتباههم عن القضية العربية الاولى والرئيسية وهي القضية الفلسطينية، مما يمنح المحتل الفرصة للتمدد الاستيطاني والاستمرار في آليات فرض امر واقع على الارض في القدس والضفة الغربية، يجعل من أمر حل الدولتين، حلما يستحيل تنفيذه على الارض.
السبب الثالث: اضطلاع العرب بمهمة تحجيم النفوذ الايراني وربما جرجرة ايران في حرب اقليمية تضعف قوتها وتشتت انتباهها وتعرقل مشروعها النووي,وهو الامر الذي يهمها في المقام الاول،حيث باتت ايران باقترابها من تحقيق الحلم النووي, أكبر خطر على الامن القومى الاسرائيلي .
رابعا: عملية تأمين مضيق باب المندب التي تقوم بها القوات العربية، تصب في صالح اسرائيل الى حد كبير, للخوف من سيطرة ايران والحوثيين عليه,وخوفا من اغلاقه او تعرضهم للسفن الاسرائيلية المارة من هناك، ويعتبر المضيق مهما لهم حيث يعتبر مسارا بحريا رئيسيا بالنسبة لاسطولهم
التجاري وبوابة الدخول الى البحر الاحمر الذي يمثل معبرا حيويا للسفن في طريقها من الشرق الاقصى لميناء ايلات.
كما ان مضيق باب المندب يعتبر ممرا مائيا لجميع السفن العالمية بين الشرق والغرب .
يسعى الحوثيون للسيطرة على مضيق باب المندب، لاستخدامه كورقة ضغط على السعودية ودول الخليج لايقاف غاراتها الجوية، بينما تسعى قوات التحالف لحماية هذا الشريان المائي الهام، الذي يرى المحللون ان اهميته الاستراتيجية هي احد اهم اسباب انطلاق عملية عاصفة الحزم .
يفصل مضيق باب المندب خليج عدن عن المحيط الهندي، وله تاثير كبير على التجارة العالمية حيث يمر منه ما يقارب خمسة وعشرين الف سفينة سنويا، وخطوط امداد النفط بحيث يمر منه قرابة 4 ملايين برميل يوميا, وازدادت اهميته بعد حفر قناة السويس حيث تمر منه البواخر لاوروبا، ويشترك في حدوده البحرية مع كل من اليمن ارتيريا وجيبوتي.لكن بحكم الجغرافيا تملك اليمن افضلية استراتيجية في السيطرة على المضيق لأنها تمتلك جزيرة بريم.
نظرا لان حوالي 38%من النشاط الملاحي البحري العالمي يمر عبر هذا المضيق،فقد حرصت القوى الكبرى الدولية والاقليمية على انشاء قواعد لهابالقرب منه ,من بينها امريكا وفرنسا وايران واسرائيل.
تحتفظ ايران بتواجد عسكري في ميناء (عصب ) الجنوبي بأرتيريا, حيث تمكنت من بناء قاعدة لها هناك، وارسلت اليها المئات من عناصر فيلق القدس, وضباط البحرية والخبراء العسكريين في الحرس الثوري الايراني, كما نصب فيها عدد من بطاريات الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى والمضادة للطائرات والصواريخ الساحلية وصواريخ ارض – جو،ويرجح ان ايران تمد الحوثيين بالسلاح من خلال هذه القاعدة .
تستضيف ارتيريا أيضا قاعدة عسكرية اسرائيلية طبقا لما نشرته صحيفة هآرتس, نقلا عن تقريرلوكالة الاستخبارات الخاصة (سارتفور),عن وجود قواعد سرية في الدولة الافريقية المطلة على البحر الاحمر، وتمتلك قاعدة تنصت استخباراتية تقع على قمة جبل على ارتفاع 3000م عن سطح البحر، ومرسى للسفن في جزر دهلك في البحر الاحمر، وهذا المرسى يستخدم للغواصات والسفن التابعة لهم، والتي تعمل ضد شبكات نقل الاسلحة من ايران الى حماس وحزب الله عبر البحر الاحمر الى السودان ومنها عبر الاراضي المصرية الى قطاع غزة او الى موانئ البحر المتوسط ومن هناك الى سوريا ولبنان.
كذلك تملك ايران قاعدة عسكرية بالسودان، شرعت بتشييدها في جزء من ميناء بور سودان, والموازي للسواحل السعودية, لتوفير الدعم العسكري واللوجستي للنظام السوري وحزب الله اللبناني، بالدبابات وانظمة الصواريخ وانظمة الدفاع الذاتية وغيرها من الاسلحة الثقيلة.
لكن الغموض يلف مصير هذه القاعدة، فعلى الرغم من التعاون السوداني الايراني منذ فترة طويلة والذي سمح للايرانيين بانشاء مصنع اليرموك للمنتجات الحربية, مع وجود كبير للحرس الجمهوري الايراني في الخرطوم، فان اعلان الحكومة السودانية المشاركة في عملية (عاصفة الحزم ), اثار علامات استفهام حول مدى امكانية استفادة ايران من وجودها على السواحل السودانية .
من ناحية اخرى لا يبتعد النفوذ الامريكي عن مضيق باب المندب،حيث تتركز القوات الامريكية بقاعدة جوية في مدينة أربامنش جنوب اثيوبيا،وبالقرب من الحدود الصومالية،وهي قاعدة أنشأتها امريكا سنة 2011وتحوي اسطولا من الطائرات بدون طيار،محملة بصواريخ, (هيل فاير)، كما تمتلك القوات الامريكية قاعدة (ليمونييه) العسكرية في جيبوتي، بحكم موقعها الجغرافي المطل على القرن الافريقي وعند مدخل البحر الاحمر, ويتمركز فيها نحو 4000عسكري امريكي، مستعدون للانطلاق بمهمات في اليمن .
الخلافات في اليمن هي خلافات - سياسية بحتة – لكن الاعلام الغربي يمنحها الشكل الطائفي بين الشيعة والسنة ويصبغها باللون المذهبي، ليساعد على تفتيت ما تبقى من أجزاء متماسكة من هذا الوطن الكبير, ويورطوننا في حروب داخلية تبدأ ولا تنتهي في قادم الايام،ليتسنى لهم فرض سيطرتهم على مواقعنا الاستراتيجية وخيرات بلادنا.
حتى لا تبقى دولة عربية تستجدي الدول الاخرى وتسمح لها بانشاء قواعد على اراضيها,فلماذا لا نقوم بالتكافل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال يوجد في السودان مائتي مليون فدان قابلة للزراعة وتوجد مياه النيل والامطار بكثرة,فلو تم تمويل زراعة مليون فدان بالقمح لاكفت العالم العربي كله دون استيراد ويمكن ان تصبح السودان كمثال سلة الغذاء للعلم العربي كله.
ولو دعمت الصومال واليمن وغيرها وتم تامين الامن الغذائي لابنائها،لما احتاجوا للحروب والارهاب،حيث الامن الغذائي لا يقل عن الامن والامان.
استباحة أراضينا لانشاء القواعد الاجنبية،تبقينا مستعمرين ومفتتين ولا يقوم لنا قائمة الا بالوحدة والسيطرة على أراضينا ومكتسباتنا .
dr.sami.alrashid@gmail.com