ربما ليست هي المرة الأولى التي يحدث بها كشف عورة سوء الخدمات، عمليات التستر والاهمال والتشدق بأننا نملك أفضل منظومة من التشريعات أو كودات البناء، جاءت بالجواب غير المتوقع لنكتشف أننا لم نفيد من قوة العلم وقوافل المهندسين وعددهم الذي لم ينعكس على البلد، مخططون وساسة خرجوا للشارع ووضعوا العتب على منظومة المناهل، في مدينة معروف انسياب طبوغرافيتها ومجرى تدفق الماء إلى قاعها منذ قرون.
ربما لن يتكرر صباح الخميس الماضي بمطر مدرارٍ كالذي جاء، ساعة واحدة كانت استثنائية لتكشف الفوضى المتحققة، جراء عيوب البناء وعدم التنسيق، وخبايا الفساد وعدم التحقيق أو المساءلة في كل ما يحدث،وليس ما حدث جديداً وليست عمان مدينة ساحلية لتكون مستنقعا صعب التصريف.
المجالس الكبيرة واللجان لم تفعل فعلها، وغرف الطوارئ بدا وكأنها كرتونية، وفي الميدان كانت تنهار على الطوارئ ورجال الأمن الاتصالات، ومن هذه الوجوه شاهدنا أفضل صور البذل والعطاء، لكن ضيق الوقت وتصرف الناس الغير متوقع والفوضى التي تحققت كانت مفجعة وستدخل الذاكرة لا لمجرد أنها توثق يوماً عاصفاً ماطراً وحسب، بل لتكشف غياب التخطيط وردائة البخت وانعدام العمل المسؤول عند مخططي مستقبل البلد.
أين ذهبت الغرف الكبيرة للطوارئ، مركز الأزمات والدفاع المدني، التنبؤات الجوية التي لم تصدق في السنوات الأخيرة، الميل إلى تبسيط كل مصيبة، وتعليق الأمر على البنية التحتية، كل ذلك يعيدنا للوراء ألف سنة.
تحدث الملك دوماً عن المسؤولية في العمل، والرعاية، والمسؤول الضعيف الذي تكرر للأسف المجيء به لحسابات لا نعرفها، وما زال موجوداً، اكتفت الحكومة بجولة وزير الداخلية الذي اتضح غضبه، ومال الجميع للعتب على الانفاق، لكن ما حدث يكشف خيبة كبيرة وعطفاً للمشاكل على بعضها، فيما المواطن يدفع ما عليه من رسوم.
تحدث أمين عمان عن سوء إدارة الطوابق السفلية، في اكتشاف مـتأخر عن مسؤولية من يرخص ويجيز للمقاولين البناء، لكنها ستبقى أزمة تسجل في دفاتر التقصير والخيبات المتتالية والتي لا تقابل باعلان اعتذار، أو قول فصل بمن يستحق المحاسبة.
المطر صحيح أنه نعمة، لكنها نعمة تستحق الاحتفاء وليس الغضب، وما احالها إلى فوضى وموت وضحايا وخسارات هو عدم القدرة على التخطيط للكوارث، والميل للتبسيط إلى اقصى قدر ممكن ووضع الحق على الطبيعة وكثرة تدفق
المياه.
ما حدث، صار حدثاً للذكرى فهل يستجيب المسؤول للإنذار ويدرك الخطأ ويصحح من مساره وفي بقيه المسارات من وقف الاهمال، والاستعداد لمثل صباح الخميس الماضي، هل ندرك أنفسنا، ونستعد جيدا أم نبقى في حالة انتظار، لا تقي شر ولا تبقي ولا تذر؟
الدستور